صحيفة البعثمحليات

تحديات تواجه الفلاحين العائدين لاستثمار أراضيهم المحررة.. المزارع يدفع فاتورة جشع تجار الجملة والمفرق والحل بالتدخل لإنصافه

ريف دمشق- عبد الرحمن جاويش

لم تقف معاناة المزارعين عند حدود ارتفاع أسعار الوقود والعمالة والأسمدة والمبيدات والتسويق وتعثر بيع المنتج، بل امتدت إلى استغلال التجار والتخسير في بيع إنتاج‎ الفلاح الذي أصبح بين فكي كماشة التاجر ومؤسسات التسويق ومعاناته مع الجمعيات الفلاحية الزراعية التي لم تعد قادرة على تأمين أدنى حاجات ومستلزمات المزارعين.

وفي ضوء ذلك ما زال الفلاحون يشتكون خلال فترة الموسم قلة الإنتاج جراء نقص المستلزمات الضرورية كالأسمدة التي طالتها العقوبات الاقتصادية الغاشمة، وكذلك ارتفاع سعر مادة المازوت وفقدانها والتي تشكل العامل الأهم في ري المحاصيل وبالتوازي مع زيادة ساعات تقنين الكهرباء، حيث لم يعد بالإمكان تبريد الفواكه ثم بيعها في فصل الشتاء، في زمن ارتفعت أسعار المبيدات الزراعية والحشرية، كما أن الجهات المعنية‎ لا توفر المبيدات الآمنة المقاومة للحشائش والآفات المختلفة وتترك المجال أمام تجار القطاع الخاص الذين دأب بعضهم على طرح مبيدات مغشوشة تضر ولا تنفع.

فلاحو ريف دمشق وخاصة الزبداني وسرغايا والقلمون  أكدوا للبعث أن أهم المشاكل التي تواجههم هي صعوبة الحصول على مستلزمات الإنتاج المدعمة التي توفرها الحكومة، ما يجعل الفلاح يقدم على الشراء من التجار بأسعار مرتفعة، إضافة إلى المشكلات التي تواجه الفلاح في تصريف منتجاته واستغلال التجار له، وبالتالي يلجأ لبيع محصوله عقب الحصاد مباشرة لسداد ما عليه من ديون. والمستفيد الوحيد هو التاجر الذي يشتري المحصول بسعر أقل من الذي يطرح في الأسواق بنسبة كبيرة متذرعاً بتكلفة النقل إلى أسواق دمشق، وقد نسي التكاليف الباهظة التي ينفقها الفلاح للحفاظ على بستانه من تكاليف تقليم الأشجار وحراثة و ري المزروعات وتكاليف قطاف الثمار والمبيدات المختلفة.

وأوضح الفلاحون أن العمل الزراعي لم يعد مريحا، ففي سنة 2015 ترتب عليهم خسائر مادية كبيرة ولا ربح يغطي هذه النفقات، خصوصاً أن التاجر يشتري المحصول بسعر بخس ويباع في الأسواق بأسعار مرتفعة تعود بالنفع فقط على التاجر، ورغم ذلك لا يزال فلاحو ريف دمشق يعملون على الإنتاج في ظل كل المعوقات، ولعل أبرز ما يظلمون به -بحسب الفلاح- هو التسويق السيئ واستغلال التجار، فسعر الكيلوغرام الواحد من التفاح لحظة إنتاجه يباع للتجار بمئة ليرة، ليقوموا بتسويقه في دمشق بأسعار مضاعفة، كما أن عدم وجود برادات كافية وتقنين الكهرباء يجبر الفلاحون على خسارة مئات الكيلوغرامات من إنتاج أراضيهم، كما أن التكاليف العالية لعملية التسويق تزيد من المعاناة حمولة 2 طن ونصف من رنكوس إلى دمشق قد يبلغ أجرها أكثر من 35 ألف ليرة، مقابل ربح قليل جداً للفلاح, والسؤال الذي يطرح أين الرقيب على هكذا استغلال، وهل يترك الفلاح فريسة لاستغلال التجار وأصحاب سيارات النقل، ما يدفع إلى المطالبة بحلول جذرية تكون سندا له في الحفاظ على ما تبقى من أرزاقه، متأملا من القائمين مراقبة الأسعار وانتهاج سياسة تساهم في تأمين المستلزمات الزراعية وتسهيل وصولها للفلاحين عبر الجمعيات الفلاحية التي يعتبرها الفلاح مباني خاوية تغتال أحلامه ولا دور لها في حل مشاكله والحفاظ على حقوقه وعلى أرضه.

حلول و مناجاة

بدوره يوضح مدير زراعة دمشق وريفها  المهندس عرفان زيادة للبعث أن  مديرية الزراعة والجمعيات والروابط  مجتمعة مع كافة الجهات تعمل على تذليل كافة المعوقات التي تعترض واقع عمل الفلاحين، وفيما  يتعلق بمناطق الزبداني وسرغايا نستمر في تأمين مستلزمات الزراعة كون المنطقة تشهد إعادة تأهيل القطاع الزراعي من ترميم للوحدات الإرشادية وتأمين الغراس والبذار والأسمدة، وهناك بحث دائم مع كافة الجهات لإيجاد طرق لدعم الفلاحين في هذه المناطق وخاصة إيصال مادة المازوت لهم وتوزيع الغراس المثمرة بأسعار رمزية، وتقدم الحكومة – والكلام لزيادة- مختلف أنواع الدعم الممكنة لهذا القطاع الحيوي الهام، ليستمر الفلاح في أرضه وعمله وإنتاجه، ولكن العقوبات الاقتصادية حجمت حركة استيراد وتصدير مستلزمات الإنتاج الزراعي من أسمدة وبذار وأسمدة، ما أدى إلى انخفاض كميات الإنتاج الزراعي في بعض المناطق وخاصة الزبداني، حيث تحكم التجار واستغلال إنتاج الفلاح الذي يعود لأسباب متعلقة بالمنطقة كونها تفتقد للكهرباء ومستلزمات الإنتاج الزراعي واليد العاملة، ونحن في المديرية نشجع الأهالي والمزارعين على الزراعة المنزلية وزراعة الأسطح والشرفات  نجحت زراعة الفطر المحاري و بعض الخضروات، وبعد أن عاد المزارعون إلى المناطق الزراعية في الغوطتين الشرقية والغربية نستمر بتقديم كل الدعم اللازم لإعادة استثمار أراضيهم الزراعية، ما يؤكد ضرورة رفع مستوى معيشة الفلاحين واستمرار دعم الدولة للقطاع الزراعي والاهتمام بهذا القطاع بشقيه النباتي والحيواني بما في ذلك الاهتمام بسكان الريف والبادية بما يحقق تنمية متوازنة بين الريف والمدينة.

ورأى زيادة ضرورة بحث المواضيع المتعلقة بإيصال مياه الري للقرى إضافة إلى دعم القطاع العام وتطويره لكونه يشكل الضمانة الوحيدة للطبقة الفقيرة، مع ضرورة نشر الثقافة في الريف ودعم الرعاية الصحية وتطوير المرأة الريفية وتمكينها من الانخراط في المجتمع.

خطط مجتمعة

من جانبه مدير مكتب الشؤون الزراعية في اتحاد الفلاحين بدمشق وريفها عماد سعادات، يرى أهمية وضرورة تأمين مستلزمات الإنتاج بشكل مسبق ووضع الخطة الزراعية بما يتناسب مع الواقع الاقتصادي والاجتماعي للقطر وبما يحقق التوازن بين المنتجات الزراعية مرتفعة السعر والمنتجات الزراعية منخفضة السعر، والأهم إيجاد مخزون استراتيجي للمواد العلفية من أجل إنقاذ الثروة الحيوانية في الحالات الطارئة وفي الأزمات وهذا مع التأكيد على أن يكون موضوع التصدير بالنسبة للثروة الحيوانية منسجما ومتلائما مع مصلحة الاقتصاد الوطني ومصلحة الفلاح في آن واحد وذلك بهدف الحفاظ على الغنم العواس في القطر ومراقبة التهريب بشكل دقيق، وصولاً إلى تأخر وصول البذار المحسن إلى ما بعد فوات وقت زراعة المحصول وعدم تأمينه بالكمية الكافية التي يحتاجها المزارعون الذين يضطرون لشرائه من القطاع الخاص أو السوق السوداء التي ازدهرت كثيراً في الآونة الأخيرة، ما أدى إلى دخول بذار سيئ ومصاب بآفات زراعية أضرت بمحاصيل وأراضي الفلاحين وكبدتهم الخسائر المتكررة وأفقدتهم الأمل في تحسين أوضاعهم وسداد ديونهم وقروضهم،  وأشار الكثيرون إلى أهمية معالجة حالات الغش في المبيدات الحشرية والأدوية الزراعية التي عانى المزارعون منها منذ فترة طويلة ولم تفلح كل صرخاتهم التي رفعوها في كل المؤتمرات في إنهائها أو التخفيف من آثارها السلبية على الزراعة والمزارعين.

وبين سعادات أن هناك مستلزمات ومطالب يجب توفيرها للفلاحين و خاصة العائدين لاستثمار أراضيهم وأهمها السماح لاستيراد الجرارات الزراعية المستعملة واستيراد الأبقار والأغنام بقروض ميسرة وبدون فائدة، وضرورة زيادة المقنن العلفي وخاصة للمناطق المحررة، ونطالب بتعديل المقنن العلفي في الدورات القادمة كون الدورة الحالية لن تشمل الأبقار، إضافة لتحسين جودتها وخفض أسعارها، وأيضاً ضرورة تسهيل حركة النقل والتنقل. واقترح مدير الشؤون الزراعية وضع آلية ما بين الجمارك والزراعة و الفلاحين لتسهيل الحركة في كافة المناطق.

حتى لا يظلموا

عدد كبير من الفلاحين طالبوا بإيجاد قنوات تسويقية نظامية تقدر جهد الفلاح وتعرف قيمة إنتاجه لكي لا يبقى عرضة للنصب ما يضطره للبيع بما يفرض عليه من قبل تجار سوق الهال أو يترك محصوله في الحقل، و الفلاح اليوم أمام معادلة غير متكافئة طرفها الأول فلاح بسيط معدم والثاني محتكر، الأمر الذي يكبده خسائر مادية نظرا لغياب الاهتمام من قبل الوزارات المعنية بالإنتاج والتسويق الزراعي، ووضعه تحت رحمة التجار الذين يحددون الأسعار كما يحلو لهم.