الصفحة الاخيرةصحيفة البعث

تشرين.. حروف من ضياء

 

بطولات من نور خطها الأبطال على تراب من روح وحنين “الشهادة أو النصر” فانطلقوا، لاشيء يطفئ اشتعالهم، ولا شيء يوقف أرواحهم المتواثبة بين اللهفة على وطن مستباح، وانتعاشهم بغاية استرخصوا حياتهم من أجلها، فكان النصر المكلل بالشهادة، ذلك النصر الذي تحولت حروفه فينا ضياء، وتشكلت معانيه بيارق من ألق خفقت أغانيها في شراييننا، ولوّنت أيامنا بسنائها البهي، وكانت الفرحة بالانتصار على العدو، وارتفاع راية الحرية خفاقة في فضاء الوطن الفسيح. وهاهي الذكرى تطل لتعود بنا إلى تلك الليلة التي كانت نقطة التحول في حياتنا حيث أخذت سورية تغزل من خيوط الشمس مجد تاريخها ومستقبل أبنائها الذين يتباهون بوجودهم في وطن يضمهم ويمثل انتماؤهم للحياة، فالإنسان السوري يدرك معنى الحياة التي تجمعه مع الآخر النقيض له بأفكاره وسلوكه وحتى نظرته للحياة وأسلوب تعبيره عن انتمائه لها، لأن ثقافة المواطنة التي تعني الانتماء للحياة بكل رموزها وقيمها، هي ثقافة الإرادة الإنسانية التي تعلو على كل الثقافات الجزئية، فما يعيشه الإنسان من حالات تصبح جزءاً من وعيه لانتمائه الوطني، وهؤلاء الناس المتقدة قلوبهم بشعلة الإيمان والأمل على تجاوز محن الحياة هم من يملكون القدرة على صياغة الحاضر والمستقبل بإرادة وتصميم على مواجهة كل التحديات، هذا مارسّخته حرب تشرين التحريرية في وجدان الشعب السوري الذي امتلك مقومات الحلم والإرادة وسر الحياة، ومازال مفعماً بالعطاء.
اليوم.. نقف على أبواب الذكرى نستقرىء الماضي على ضوء الحاضر المثقل بالحروب والاقتتال والمؤامرات.. نقف مع أنفسنا في جردة حساب، ماذا تمثل لنا حرب تشرين، هل هي ذكرى انتصار أم ذكرى تحرر أرواحنا من رواسب عفنة قيدتها بأغلالها وأغلقت عليها نور الحياة، هل نصر تشرين نعيشه بيوم واحد وينتهي بعدها ليعود كل شيء إلى حاله، أم أن النصر رسالة تمتد على مدى سنوات طويلة هي تاريخ التضحيات التي قدمها الشهداء فداء لوطنهم وأهلهم، تلك الرسالة التي حمّلونا إياها أمانة ستلح علينا أسئلتهم دائما كيف عشنا هذه الرسالة وأين وصلنا في مشوارها، ماذا نجيبهم على أسئلتهم، هل نقول لهم أننا انشغلنا عنها بأنفسنا أم نقول أننا تغافلنا عن واجبنا وأهملنا مهماتنا، فهل لنا أن نستعيد ألق الماضي ونستفيد من دروس الكفاح ضد كل أشكال الظلم والاستعمار وأن نكون أكثر وعياً لواقعنا وظروفنا وأن نتحمل مسؤوليتنا كل من موقعه بأن نبني الوطن ونصون إنجازاته، وان نتجاوز خلافاتنا وتناقضاتنا مع بعضنا لنكون روحاً واحدة وقلباً واحداً ننطلق في الأفق الرحب نحمل وطننا في حنايانا بوصلة تهدينا الطريق، ليزهر دم الشهداء في ذاكرة أجيالنا وروداً يزينون بها قبور الشهداء لتبقى شاهدة على انتصاراتنا واحتفالاتنا بعزتنا وكرامتنا مصانة من كل أذى ولنعش ذكرى انتصار تشرين فرحة بانتصارنا لأنفسنا وانتصارنا على أعدائنا، وكل انتصار وقلوبنا تهفو للحب والأمل.

البعث