صحيفة البعثمحليات

عشرات الدعاوى رفعتها المؤسسات ضد “مجرمي” الفضاء الإلكتروني مخبر رقمي جاهز لكشف تزوير الأدلة الرقمية.. وتراجع عدد القضايا إلى النصف

 

دمشق – ريم ربيع
قد يكون قانون الجرائم الإلكترونية أحد أكثر القوانين إثارة للجدل حتى اليوم، فكلٌّ يراه حسب منظوره وتطلعاته، ورغم أنه جاء في الدرجة الأولى لضبط القضاء الإلكتروني بعدما تحول الأخير لنموذج عن الفوضى والابتزاز؛ يراه البعض وسيلة للضغط على الصحف والمواقع الإلكترونية التي شكلت لفترة طويلة منصة للتعبير وتبادل الأفكار أصابت حيناً وأخطأت أحياناً، فلا يمكن إنكار كمّ الابتذال الذي غلب على بعض المواقع، واللجوء إلى التشهير والذم في أغلب القضايا لتصبح الفضائح السمة الأبرز لمفهوم التواصل الاجتماعي في هذا العصر.
وعرف القانون الجريمة الإلكترونية بتلك المرتكبة عبر الشبكة أو الأجهزة الحاسوبية، أو تلك التي تقع على المنظومة الإلكترونية، فيما يكون الجرم إما شخصاً ضد شخص أو مؤسسة ضد شخص؛ ما يفتح باباً للتساؤل عن آلية تعامل الجهات العامة مع من ينشر قضية تخصها، وهل تحول الأمر إلى تهديد وتشفٍ من قبل مديري المؤسسات..!
رئيس محكمة بداية الجزاء المعلوماتية القاضي سالم دقماق كشف عن عشرات الدعاوى التي وجهتها مؤسسات حكومية ضد أفراد ومواقع التواصل الاجتماعي، صدر في بعضها حكم البراءة للشخص بعد التحقيق وتبيان خطأ المؤسسة، وفي البعض الآخر كان الحكم لصالحها، موضحاً أن القانون أجاز كشف أي قضية، ولكن ضمن ضوابط محددة وبعيداً عن الشخصنة التي تطغى في بعض الأحيان على الموضوع الأساسي، لاسيما إذا تحول الأمر للذم والقدح والتحقير والتهديد، وهي جرائم ضاعف القانون الحد الأدنى فيها لسرعة انتشارها عبر الإنترنت والتشهير بالشخص المستهدف، إضافة إلى تشديد عقوبة انتهاك حرمة الحياة الخاصة، ونشر معلومات تنتهك خصوصية أي فرد دون رضاه حتى لو كانت معلومات صحيحة.
من جانب آخر يستغرب عدد من ناشطي مواقع التواصل الاجتماعي أو حتى الصحفيين في الصحف الإلكترونية التضييق عليهم في نشر ملفات الفساد حتى إن كانت موثقة، معتبرين أن قانون الجرائم الإلكترونية حد من تطبيقات قانون الإعلام، وبات نشر أي قضية مغامرة لا تحمد عقباها، حيث بات توجيه نقد وإن كان بناء لمؤسسة أو مسؤول يضع صاحبه تحت مسائلة القانون، الأمر الذي نفاه دقماق محولاً الكرة إلى ملعب الصحفي ومدى التزامه المهني الحافظ لحقوقه وفقاً لقانون الإعلام، موضحاً أن قانون الإعلام حدد متى يكون النقد مخالفاً للقانون أم لا وفقاً للمادة 13 التي جاء في نصها: “يحظر على الإعلامي أن يتعرض للحياة الخاصة للأفراد، ولا يعد مساساً بالخصوصية الشخصية توجيه نقد أو نشر معلومات عن المكلفين بعمل أو خدمة عامة على أن يكون المحتوى الإعلامي وثيق الصلة بأعمالهم ومستهدفاً المصلحة العامة”، أي شرط ألا تكون الاتهامات شخصية واعتباطية، بل تخدم المصلحة العامة، علماً أن 99% من الجرائم التي يعاقب عليها قانون الإعلام بالغرامات فقط. وأكد دقماق أن قانون الجريمة لم يتطاول على قانون الإعلام الذي حدد أطر العمل الصحفي، فيما أحال قانون الإعلام انتهاك الحياة الخاصة إلى قانون المعلوماتية ليحاسب بموجبه، على أن يبقى المبدأ العام احترام خصوصية الأفراد وكرامتهم وعدم التعرض لها.
وسجلت دعاوى الجرائم الإلكترونية العام الماضي 140 دعوى شهرياً، فيما تناقصت خلال 2019 إلى 50-60 دعوى في الشهر، أي لا يتجاوز مجمل الدعاوى 500 دعوى منذ بداية العام؛ الأمر الذي يعتبر برأي دقماق مؤشراً على الوعي الذي رسخه تطبيق القانون بشكل جدي وتشكيله رادعاً بعد استسهال التلفيق والابتزاز ونشر الادعاءات والفضائح لفترة طويلة، فيما لا تتجاوز المدة الزمنية للفصل في القضايا 4 أشهر، أي إن الحديث عن إطالة أمد الدعاوى مبالغ به مقارنة بباقي الدعاوى.
وفي حين يعد الدليل الإلكتروني سهل التزوير ويمكن لأي مبتدئ تلفيق دليل ما والتقدم بشكوى ضد أي شخص، لفت دقماق إلى افتتاح مخبر رقمي متكامل في فرع مكافحة الجريمة الإلكترونية منذ فترة وجيزة قادر على التحقق من الأدلة وكشفها بنسبة 100% عبر أجهزة تقنية حديثة وعناصر مدربة ومؤهلة جيداً، وأصبح من السهل جداً إثبات مصداقية أو كذب الدليل؛ مما جعل الدعاوى الملفقة نادرة لم تتجاوز أكثر من حالة خلال هذا العام.
وعن التوقيف الاحتياطي لبعض الناشطين إزاء نشرهم موضوعاً ما، بيّن دقماق أن الجرم المرتكب على الشبكة لا يختلف عن الجرائم الأخرى، ويوجد حالات تلزم التوقيف، فيما تصل بعض الجرائم كالاحتيال إلى السجن 5 سنوات، مشيراً إلى أن الاحتيال عبر الشبكة يضرب مصداقية التسويق الإلكتروني رغم ندرته في سورية، ويفقد الثقة بين الموقع والزبون، ويوجد حالات عدة لاحق فيها القضاء من يبيع بضائع تختلف في النوع والجودة عما هو معروض عبر مواقعهم، وتولى هذه القضايا قدر كبير من الاهتمام.