اقتصادصحيفة البعث

قرض الإنمائي يحظى بالقبول… التمويل العشوائي ينقذ المصارف من عبء السيولة المتراكمة ويشتت بوصلتها باتجاه الخطط الاستثمارية والتنموية

 

يشي ارتفاع نسبة الراغبين للتمويل بالقرض الإنمائي مقارنة بنظرائهم الراغبين بالقروض الاستثمارية – حسب تصريحات المصرف العقاري مؤخراً – صحة ما ذهب إليه بعض خبراء الاقتصاد حول توصيفه ومدى فاعليته في توجيه السيولة المتوفرة في المصارف إلى مطارح لها ثقل في تطوير الواقع الاستثماري والتنموي في سورية، وتلبية أولويات ومتطلبات المرحلة المقبلة، حيث ومنذ بداية إطلاقه صنفه البعض ضمن خانة القروض المفسدة، وذلك لارتفاع سقفه؛ حيث بلغ سقفه 50 مليون ليرة للأفراد و100 مليون ليرة للشركات ويمنح بدفعة واحدة، إلى جانب غياب إجراءات المتابعة التي تعتبر شرطاً لازماً وأساسياً لتمويل مقترضي الاستثماري، حيث يرافق دفعات التمويل سلسلة من إجراءات المتابعة لضمان توظيف الأموال في الغاية الاستثمارية المبينة في ثبوتيات القرض، ويتم منحه على دفعات تتماشى مع نسب الإنجاز في المشروع، في حين تتيح تعليمات القرض الإنمائي مساحة أكبر من حرية التصرف بمبلغ القرض في ظل غياب شرط الالتزام الفعلي لتنفيذ ما تضمنه طلب القرض ورقياً؛ الأمر الذي يؤدي إلى تسييل الأموال بمسارات بعيدة عن التنمية والاستثمار، ويشوبها بعض القلق من توظيفها في مجالات المضاربة أو التجارة؛ ما يسهم في رفع معدلات التضخم.

تمويل عشوائي
لاشك أن تضخم محفظة الودائع وتراكم السيولة القابلة للتوظيف دفعت المصارف إلى توسيع قنواتها التسليفية بأشكالها المختلفة، وبالتالي فإن التوجه إلى القرض الإنمائي يمثل نوعاً من التمويل العشوائي بحسب تعبير الخبير المصرفي الدكتور علي كنعان، والذي تمخض عنه القرض الإنمائي والذي شدد على أنه قرض مفسد لارتفاع سقفه وسهولة الحصول عليه مقارنة بغيره من القروض، فرغم تقارب التعليمات التنفيذية للقروض وبالمدد ونسبة الفائدة المطبقة 13% إلا أن القرض الإنمائي حصد إقبالاً كبيراً مقارنة بالقرض الاستثماري كونه يمنح المقترض مبلغاً كبيراً يخلو من المتابعة لإنشاء منشآت صناعية أو إنتاجية تصب في مسار الاقتصاد النفعي، في حين ينبغي توجيه السيولة للصناعيين والمنتجين وأصحاب المشاريع الصغيرة لترميم العجز الحاصل في هذا المسار، والنهوض بالمصانع والمعامل المحلية لتوفير صناعات وطنية تكفي الأسواق المحلية، وتشكل صادرات كبيرة من شأنها إنعاش الاقتصاد، ولكن المصارف واجهت التحدي الكبير في ارتفاع نسب السيولة القابلة للتوظيف، وارتفاع حجم الودائع الذي يكلفها أعباء مالية عالية، وبوجود بعض القيود التسليفية من المصرف المركزي ما دفعها إلى إطلاق قروض صحيحة ائتمانياً من حيث المبدأ، ولكن دون توخي الحذر والتشدد بضرورة استثمارها في مجالات ذات طبيعة استثمارية وتحقق تقدماً في عجلة التنمية والإعمار؛ الأمر الذي قد يتمخض عنه نتائج سلبية تصب في مجالات المضاربة والتضخم، ولغايات بعيدة عن متطلبات المرحلة الراهنة.

لا يخلو
واعترض معاون مدير عام المصرف أكرم درويش على توصيف القرض بالقرض المفسد، إذ إن كافة القروض قد تظهر فيها نسبة معينة قد تستغل القروض بغير غاياتها، والأمر لا ينحصر بالقرض الإنمائي فقط، فهناك الكثير من القروض الاستثمارية توقفت خلال مراحل لاحقة من بدايتها. ورغم أن المصرف اشترط ضمن تعليمات الإنمائي بيان الغاية منه، كالتوسع بنشاط المقترضين وشراء التجهيزات المطلوبة لمشاريعهم القائمة، إلا أنه لم ينفِ أنه يكتنف على بعض السلبيات تؤدي لاستثماره لغاية أخرى، وذلك لغياب المتابعة بعد مرحلة التمويل، مشيراً إلى أن القرضين الاستثماري والإنمائي غير دقيقين 100%، إلا أن نسبة الدقة والمتابعة في الاستثماري أعلى، إلا أن المصرف يعول على الشريحة المستهدفة في القرض الإنمائي كونه يستهدف شهادات علمية، ومن المفترض أن يكون على قدر كبير من المسوؤلية العلمية والاجتماعية في تسخير القرض لصالح النشاطات الهادفة. وعزا سبب الإقبال على القرض الإنمائي إلى السهولة والمرونة المطروحة للحصول عليه والتعامل السهل حسب تعبيره؛ ما أدى إلى ارتفاع عدد الطلبات، لكونه قرضاً سهلاً للطرفين المصرف والمقترض معاً، وبين درويش أن ارتفاع عدد أصحاب الفعاليات الاقتصادية المستهدفة بالقرض الإنمائي إلى نسبة عدد المستثمرين في مدينة دمشق قد يشكل سبباً رئيسياً لارتفاع عدد الطلبات.

المصرف أولاً
ودحض العشوائية في التمويل بقوله: من حيث المبدأ يحق للمصرف إطلاق جملة من القروض التسليفية لتشغيل الأموال الموجودة لديه بما يحقق له أرباحاً تغطي فوائد الأموال المودعة مع هامش ربح بسيط ليبقى المصرف مؤسسة قائمة قادرة على الاستمرار والقيام بدوره في التمويل، على ألا تتعارض مع الأسس التسليفية، بالتوازي مع حرض المصرف على أولوية تلبية القروض المواكبة للسياسة العامة للحكومة.
ويقوم المصرف بإعداد خطة سنوية يُعاد من خلالها تقييم القروض من حيث النتائج المباشرة على السوق بشكل عام وعلى صاحب القرض في نهاية كل عام، وبالإضافة إلى رصد الالتزام من عدمه كونه يشكل أس عمل المصرف، وبالتالي يدرس المصرف القروض المقدمة ومدى فاعليتها ونفعها على مستوى المصرف أولاً والاقتصاد ثانياً، ومن خلال تلك الدراسات يقرر المتابعة أو التوقف عنها، وشدد على أن الأولوية في حال توازن كفتي التمويل بين قرضين تكون للاستثماري والسكني، ومن ثَم تأتي بقية القروض، وفي هذا السياق بين أنه تم رصد 15 ملياراً للاقتراض الإنمائي والاستثماري لغاية نهاية العام الحالي، وهو رقم قابل للزيادة في حال ازداد الإقبال عليه.
فاتن شنان