في سفر “التصحيح”
عن سبق معرفة ودراية وحنكة وبصيرة وُلد النموذج القدوة الذي اشتُغل على صناعته كثيراً ليكون المولود كاملاً وبصحة وعافية شاملة، لتنطبق عليه مقولة الاسم على المسمّى “التصحيح” كحركة انعطفت بالبلد نحو المسار الأفضل سياسياً واقتصادياً واجتماعياً وخدمياً، وخلال عقود من عمر التغيير الحقيقي كان التجدّد والتطور والحداثة ممارسة عملية وليس مجرد شعار ، بل كان في سياق نهج مرن قابل لتلقف الجديد المفيد وإلغاء القائم الجامد والعنيد.
نعم لقد اختار رواد وأرباب التصحيح طريقاً لا يقف عند مفترق صناعة الإنجاز، ومن ثم العيش على نشوة الانتصار، بل كان الانفتاح على الأفضل، قانون وتشريع يحقّق الديمومة التي يفرخها دستور البعث ومنطلقاته ومبادئه التي لا تحيد عن المرونة ومحاكاة المتحولات بثوابت بعيدة عن الجمود والتقوقع غير المجدي في أدبيات التعاطي السياسي والاقتصادي والاجتماعي.
يصعب على من يتلقف الحضارة بقشورها ويحلّل التاريخ بتلافيف المخ الخارجية أن يستوعب بقراءة غير منظورة السيرورة الفكرية والإيديولوجية لنهج التصحيح ومحطاته التاريخية في صناعة بلد منتج صناعياً وزراعياً وخدمياً وسياحياً، ومستثمر لموارده وإمكانياته الطبيعية والبشرية والجغرافية، لنصبح أمام وطن بحجم الطموح ودولة ثقيلة في موازين الأمم والعظماء، وما السجل المتخم من الإنجازات سوى بعض مما حقّقه التصحيح وإشارات لما هو مقبل عليه.
يُحسب لحركة 1970 أنها شقّت طريقاً واحداً قوامه البناء والتشييد وخلق قطاعات تنموية من الصفر، فمن البلد المستهلك والمتقلب على أوجاع الانقلابات إلى بلد منضبط على عقارب الإعمار وصناعة سورية الحديثة على أيدي مجتمع عرف كيف يوظّف التحول لقطف ثمار كان ينتظرها منذ القدم، وهذا ما تجسّد في ميادين وساحات تتكرس فيها الجهود والإمكانيات البشرية والمادية لسفر من المعامل والمصانع وحقول وبيادر الزراعة والإنتاج، وبالتالي صياغة صفحة من الحياة المدنية التي ركزت على بناء البشر قبل الحجر، بالتوازي مع تشكيل غير مسبوق لمؤسسة لم يمضِ يوم إلا وكنّا ندين لها بالبقاء والاستمرار والصمود، إنها “الجيش العربي السوري” الذي حمى التصحيح وعسكر على تخومه يصون الحدود ويحصّن الوطن والمواطن من الخراب الذي وصل إلينا من خلف البحار ليدفن الصروح ويقتل الإنسان قبل البنيان مدفوعاً بقوى لا ترتضي النموذج السوري الذي يخيفها ويعرّيها من ورقة التوت المزعومة، ويعيث عبر سنوات الحرب سفكاً ودماراً.
ندرك تماماً أن ثورة التصحيح في استمراريتها قادرة على إعادة إعمار وبناء ما دُمّر، لأنها الأصح في النهاية وأولادها هم من سيضحكون كثيراً. فالفعل الصحيح لا يقبل الخلاف والاختلاف، وقدر الأصح أن يبقى بصحة صحيحة، وبالتالي لا مجال للفرز والتصنيف وحتى التخندق والرفض لأجل الرفض.. كل عام والتصحيح بخير.
علي بلال قاسم