الصفحة الاخيرةزواياصحيفة البعث

الأرواح النبيلة..!

حسن حميد

لي شهر بتمامه، وأنا أقرأ أخباراً ومقالات ومطالعات حول جائزة نوبل للآداب، وقد منحت هذا العام 2019 لكاتب من النمسا عرف بعنصريته وعدائه لقيم الجمال وحقوق الشعوب والعقائد التي يؤمن بها ملايين البشر، مثلما منحت لكاتبة من بولونيا استدراكاً عن العام الفارط 2018.

قرأت مقالات كثيرة تنعى على مانحي الجائزة تحيزهم، ومحدودية إبصارهم للأدب العالمي في بلدان آسيا وأفريقيا وبحثهم عن تجارب أدبية تعيش في العتمة ليس من ناحية المكان، وإنما من ناحية الترويج لأفكار بعيدة عن الروح الإنسانية المؤيدة للإنسان وحقه في العيش والسعادة أيّاً كانت جغرافيته وهويته، وبعض المقالات نعت قدرة أهل نوبل على تثمين الأدب العربي الذي يقرؤه أكثر من أربعمائة مليون نسمة. والحق أن الكثير مما قرأته صحيح لأن النظرة المقصورة لأهل نوبل على آداب معينة، أو أسماء معينة، أو اتجاهات معينة.. هي حاضرة وفاعلة وصاحبة سطوة، وهذا ما رأيناه حين تجاهلوا أدباء الصين، وهم أهل شهرة ومكانة في بلادهم، ومنحوا الجائزة لأدباء صينيين فروا من بلادهم وعاشوا اللجوء في بلادهم، أو لأنهم مبدعون من رتب رفيعة، أبداً، وإنما لأنهم عادوا بتوجهاتهم وتفكيرهم النهج الذي تعرفه الصين، وكان أهل نوبل أصحاب نظرة قاصرة أيضاً عندما أيّدوا الكتابات الصهيونية في غير مرة، وتلك الكتابات لا تعادي العدالة الاجتماعية فحسب، وإنما تعادي حق الآخرين في الحياة والسعادة, وكذلك كانت نظرتهم قاصرة حين منحت الجائزة لكتابات عادت الأديان الأخرى، ووصمتها بالدموية والوحشية وهي ليست كذلك، وكان لهذا النهج الذي انتهجه أهل نوبل تأثيرات جاذبة للكثير من الأدباء والكتّاب الذين خرجوا على هوياتهم، وما آمنوا به من حقوق وأحلام، كي يلفتوا أنظار أهل نوبل بشغبهم وتمردهم، وهذا ما رأيناه حين منحت جائزة نوبل: لـ نايبول، وباسترناك، وبونين، ولم تمنح لأدباء نذروا أنفسهم للكتابة الإبداعية الرفيعة، ومناصرة القضايا الإنسانية العادلة.

والآن ينظر المرء وبحزن شديد، إلى ما اقترفته جائزة نوبل، أعني القائمين عليها، حين لم يمنحوا الجائزة لـ «تشيخوف» المتوفى سنة 1904، ولا لـ «تولستوي» المتوفى سنة 1910، ولا لـ «طه حسين»، ولا لـ «أدونيس»، ولا «أيتماتوف»، ولا لـ «عبد السلام العجيلي»، و«حنا مينة»، و«محمود درويش»، و«نزار قباني»، ولا حتى للكثير من أدباء الغرب وآسيا وأفريقيا وتجاربهم الأدبية جلية وظاهرة وفيها الرفعة والمكنة، وحولها ضفاف شديدة الاتساع من القراء والمريدين.

إنني أتساءل وبألم، لو كان أدونيس أو محمود درويش أو حنا مينه أو عبد السلام العجيلي أدباء من بلدان الغرب.. أكان تجاهل أهل نوبل يطولهم أو يلفّ تجاربهم؟! الجواب السريع: لا! لأن هؤلاء الأدباء أهل قضايا كبيرة، وحلمهم هو العدالة الاجتماعية، وأهل نوبل يزورون عن هذا! لعلة واحدة فحواها أننا نبصر أكثر مما ينبغي، ونحلم أكثر مما ينبغي!

والحل المريح، هو أن نترك أهل نوبل مندفعين نحو هواهم، وننسى جائزة نوبل التي حاولت تجميل وجوه قبيحة وأيد ملوثة بالدم مثل (بيرز، وبيغن)، وأن ننشئ جوائز أدبية تقدر أهل الأدب المكتوب بالعافية الإنسانية، والحبر الجمالي، والأرواح النبيلة.

HASANHAMID55@YAHOO.COM