ثقافةصحيفة البعث

“زهر البيلسان” قصائد عُزفت على وتر الألم

 

 

زهر البيلسان بلونه الأبيض الذي يتفتح بالربيع يمثل شهداء الوطن، نثر شذاه في الأمسية الشعرية الموسيقية الغنائية التي حملت اسمه في المركز الثقافي العربي في المزة وجمعت بين الشاعرة د. شفيعة سلمان والشاعر وائل الحميد، فتوحدت المفردة مع نغمات البزق بألحانها الشفيفة حيناً والمتراقصة حيناً آخر لترافق لحن الحياة.ويبقى الشهداء في ذاكرة الوطن “زهر البيلسان” كما ذكرت الإعلامية هناء أحمد في تقديمها الأمسية “وحدن بيبقوا متل زهر البيلسان”، واتضحت علاقات شعرية بين القصائد التي اتخذ أغلبها سمة المطوّلات وتقاطعت بالمضمون الدائر حول الشهداء والوطن وآلام الفقد، وإن اختلفت لغة القصيدة، إذ هيمن الخطاب الشعري الوصفي في قصائد د. شفيعة بينما نحا الشاعر وائل الحميد بمطوّلاته نحو الشعر القصصي.

غرابيب الظلام
بدأت أم الشهيدين د. شفيعة بقراءة قصائدها التقليدية من حيث التسلسل وبمفرداتها المنتقاة والمعبّرة وباعتمادها على حالة المفارقة لبيان الحالة الشعورية قبل الحدث وبعده، مبتدئة بقصة الحياة والوجود بقصيدة “ولك انتمائي” تستهل مطلعها بما يوحي بارتباط أزلي لتصل رويداً رويداً إلى مبتغاها، “فمن قبل أن يختاروا اسمي، كنتُ قد وقعتُ عقداً، بينك كان، وبيني” إلى ما تريد الإفصاح عنه بتعبيرية عن كينونة الحياة معتمدة على فعل الأمر ببدايات صريحة وقوية “اسكني بي، واطمئني، واستعدي للحياة بكل قوة، وابحثي في كل منحى” ليتبدل مسار القصيدة ويستقر بحضن الوطن العاتب على أبنائه مستعينة بأسلوب الشرط “مهما طال البعد عني، سيعودون جميعاً، فهم بعضي، ومني”.
واقتربت سلمان أكثر من النار المستعرة التي سردت فيها بشعرية وصفية تشد المتلقي وحشية الإرهاب، بقصيدتها لعطر الياسمين مستهلة بدايتها بتشبيه الحياة قبل الحرب بالنهر العذب “وكان الماء عذباً، أو نميرا” لتمضي بتسلسل لقصة الإرهاب “تلوث ماؤه ثم التراب، وجاء إليه فجار البرايا، تقودهم الخساسة، والرهاب، مداهم أجهزوا، وبكل غدر، وذبح شبابنا فيها استطابوا” لتصفهم بغرابيب الظلام، وتدخل بتفاصيل جرائمهم التي شهدت عليها الصقور والضياغم والعقاب، وتتغير بلهجة الخطاب إلى السؤال “أيا عاصي سألنا، لم تجبنا، متى أعياك قول، أو جواب؟، لتصل “إلى بردى الجريح، قد اتجهنا، دمشق يفيض منها الاكتئاب” فتتوقف بمنتصف القصيدة عند معقل الإرهاب بالغوطة “سمعنا صوت غوطته أنيناً” وتختم قصيدتها بمقاومة الشعب وأبطال الجيش العربي السوري “ونعم الشعب شعب لايهاب، يزود عن الحمى بدم طهور”.
ويمتزج الشعر بالذات ويخترق ثنايا قلبها في ذكرى استشهاد ولديها سرمد وخضر فداء الوطن، وتصف حالها بعد آلام فقد ابنها سرمد بقصيدة “كل شيء قد تغير” لتكرر المفردات ذاتها تأكيداً على ما حدث لتلحقه بما يعني تسليمها للقدر “رغم عني قد تغير” فلم تعد ترى النور “قلبي يشبه فحم مجمَر” إلى تجسيد حالة الشهادة” يا فؤادي قطعوك، دون سكين، وخنجر، سرقوا منك حبيبي، مع شقيق له أصغر، لكنها تعود إلى العام بدعوة منها لمواجهة الفساد “والفساد فينا ينخر، أنزوي في كهف نفسي، صارخة الله أكبر”.
وكانت الفقرة الغنائية الموسيقية فاصلاً فغنى شكري سوباري وهو يعزف على البزق بمرافقة فرقته محمود كرد باولي عازف العود وحليم قاسم وعماد داري عازفي باغلمة مقتطفات من التراث الكردي والماردلي والجزراوي تخللتها مقتطفات عربية بعد الموال “ع العهد أنا باقي ع العهد ما أخون”.

طعن الخناجر
ومنذ اللحظات الأولى شدّ الشاعر وائل الحميد الحاضرين بإلقائه المعبّر عن الحالة بصوته الرخيم إلى جمالية قصائده المبنية على الشعر القصصي في القصيدة المطوّلة “مدينتنا” التي اختزلت حكاية المدينة مع الدمار والقتل والحرب، مبتدئاً بمدخل إلى محراب المدينة “في مدينتنا، ترى ألف جدار، والبرق والرعد والمطر” ليقترب من الحدث “في الحرب رحلة موت، ورصاصة غدر، وشظية حقد، وصوت انفجار” وتتالت الأحداث في المدينة فتوقف عند عذابات طفلة تمسك بقوة بيد أخيها، ويصف حالة المقاومة برمزية “رسالة تركتها زهرة الياسمين، منذ ثماني سنوات” وينهي القصيدة بالصبر الذي تحلى به الجميع ولكن صبر أهالي الشهداء هو المقصود “تسقط هيبة الصبر، أمام صبر الشهداء الأحياء”.
كما ألقى الحميد قصائد قصيرة تماوجت بين الغزل والعتاب بموسيقا عاطفية “ارحلي، اتركي البيت خالياً، لكن لا تغلقي نافذة الصبح” ليوظف الموجودات بالحسّ العاطفي “عمرنا المنثور على الستائر” ليصل إلى قفلة القصيدة التي تؤكد أن الذكريات لاتموت” إن الجرح وألم الفراق، يبقى كطعن الخناجر”.
وتغيّرت أجواء الأمسية مع ضيفة الشرف الشاعرة فردوس نجار التي ألقت قصيدة من الشعر المحكي بصوتها التعبيري الذي مثل حوارية عاطفية خفية بلسان الحبيبة مستمدة من روح الضيعة وتستحضر قصص الفيروزيات، فأعجب الحاضرون بمعانيها ومفرداتها:
“بيبقى الورد أجمل، بيبقى الصبح أطول، بتبقى العريشة ناطرة العناق”
كما ألقى ضيف الشرف الشاعر سعيد صفى قصيدة قصيرة من الشعر المحكي أيضاً غلب عليها الطابع الوطني ببعده القومي، مستحضراً صوراً من مقاومتنا المحتل:
“احتلوا السما وخلوا الأرض مستعمرة، وتقاسموا متل لبنة مقمرة”
واختُتمت الأمسية بغناء مقتطفات من التراث والقدود الحلبية، وغنت ثناء متيني “يامال الشام”.

ملده شويكاني