ثقافةصحيفة البعث

لؤي كيالي.. وقفات مجهولة من تاريخه الشخصي

 

 

لؤي كيالي فنان عاش في مدينة حلب، ووُلِدَ فيها في 21 من شهر كانون الثاني، كان يجلس في مقهى القصر، مقهى الأدباء والفنانين في تلك الفترة، يجلس في الزاوية المطلة على الشارع، ويأتيه بعض من الذين يعملون في الصحافة الأدبية والفنية، يتكلمون ويتناقشون، ويدقّون على الطاولة، بينما يظل هو صامتاً، قد يبتسم أحياناً وهو ينظر إليهم، ولكنه لا يتكلم أبداً، إنه يعلّق على الجدار الذي خلفه لوحة، قد تكون لقرية معلولا أو لصيادين من جزيرة أرواد، أو أية لوحة أخرى. وفي إحدى المرات اقترب العيد، أعطى “بكري” نادل القهوة لوحة، باعتبار أنه لا يملك نقوداً، وقد باعها بكري بمئة ليرة في عملة ذلك الزمان.
عند المساء، يتجهون إلى ملهى الطاحونة الحمراء الذي يلتقي فيه أبناء العائلات، لماذا؟ لأن الفنان لؤي يحب المطربة “روحية عبد الخالق” كانت تغني له “هوّه صحيح الهوى غلاب”، وفي لحظة من لحظات ألقها تلتفت إليه، وهي تبتسم، فيقابلها بنصف ابتسامة، ويرفع كأسها، تغمض عينيها وكأنها تشكره.
كان يتناول “الفاليوم”، وينام في بيت أخته، لأنه باع بيته، وباعتبار أن الفراش إسفنج، وهو يحبّ أن يدخن قبل أن تأتيه اللحظة التي ينام فيها، أشعل سيجارة ونام، فسقطت السيجارة من يده على فراشه وبدأت تعسّ، وخلال ثلاث ساعات كان قد احترق هو والفراش الأسفنجي، تداعت نقابة الفنانين لنجدته، وخابرت المسؤولين، فأرسلوا إلى حلب حوامّة، نقلته إلى مستشفى حرستا، وبقي هناك يتعالج لمدة شهرين وأكثر قليلاً، إلى أن وافته المنية، في 26 من كانون الأول عام 1978، وبعد ذلك نقل إلى حلب ودفن في مقبرة الصالحين، وأقيمت له حفلة عزاء من الجهات الرسمية، التي باشرت بإقامة معارض له، وعقدت الندوات التي أفاضت بالحديث عنه.
قبل ذلك، في عام 1971 مزّق لوحات معرضه، وأصيب بأزمة نفسية حادة، خاصة بعد وفاة والده، ثم عاودته الإرهاصات من جديد، فأدخل إلى مصح للأمراض العقلية في مدينة حلب للمعالجة، وقرّر أهله إخراجه من المصحّ وأخذه إلى بيروت للعلاج، فعولج وشفي، وأعجبته بيروت فأقام معرضاً فيها، في منزل الدكتور علاء الدين الدروبي.
مرّة جاءت أخته إلى المقهى قبل أن يحضر إليه، وسلّمت على النادل بكري وأعطته حبوباً قائلة له: “إنّ لؤي يرفض أخذها في البيت ورجته أن يضع له كلّ يوم حبة، حسب إرشادات الطبيب، في فنجان القهوة الذي سيحتسيه”، قال لها النادل بكري: “على رأسي ثم عيني”، وعندما جاء لؤي وضع له بكري حبة في فجان القهوة المركزة الذي اعتاد على شربه، واحتسى القهوة، وأحسّ بوجود بقايا الحبة في قعر الفنجان، فما كان منه إلا أن صرخ على بكري وصفعه على خده، وأسرع إلى خارج المقهى، وخلال عشر دقائق عاد، وقبل لؤي بكري، وكانت لوحة معلقة على الحائط أسرع إلى انتزاعها، وأعطاها إلى بكري قائلاً: “هذه لتمتين الصداقة بيننا، لكن أرجو أن لا تكرر ذلك مرة ثانية”. وقد رأيت الحادثة التالية بأم عيني، فقد كان جالساً في مكانه المعروف، يتشمس وحضر اثنان من الصحفيين إياهم، وبدؤوا النقاش، وكان نقاشهم يدور حول لوحة له معلّقة على الحائط، ثم تطوَر الحوار إلى كلّ أعماله، وهذه الأشكال التي يرسمها ليس لها علاقة بأطفال بلدنا، وبائع المسكة ما هو إلا طفل برجوازي، جعله يبيع المسكة، وانظر إلى ماسح الأحذية، أيضاً هو من الطبقة الغنية، والمرأة التي في لوحة الأمومة قدمها مشوهة، والزهور مكررة ومملة، واحتد النقاش، وابتدأ الضرب على الطاولة، فما كان من لؤي إلا أن حمل اللوحة من على الحائط، وقذفها من النافذة إلى الشارع، فوقعت في وسطه، ولولا أحدهم الذي قفز وراء اللوحة ليجلبها، لدهستها السيارات.
لؤي كيالي فنان محترف، وهو رمز من رموز حلب، قال عنه محمود قشلان في كتابه المسمى: “لؤي كيالي”: يبدأ أعماله بالرصاص ثم ينفذه على اللوحة، بإعادة رسمه من جديد، ثم يلونه بعقلانية صارمة وحساب دقيق وهو حريص على نظافة اللون ونقائه، إنه لا يتوانى عن دراسة الموضوع دراسة شاملة، تارة يتخذ من قرية (معلولا) مركز بحثه، فلا يترك منها زاوية إلا ويدرسها، وتارة يستخدم مناظرها الخلفية، كما في لوحة (صباح الخير أيها الحزن) وأخرى ينتقل إلى (جزيرة أرواد) ويحاصر الصيادين في ساعات ترميم شباكهم، وحين يجلس في المقهى فإنه لا يترك الباعة الصغار دون أن يهتم بهم فلهم رصيد واضح في أعماله.
فيصل خرتش