أخبارصحيفة البعث

قرار حق العودة لا يسقط بالتقادم.. ولا يقبل التصرف

 

لم يكن وعد بلفور عام 1917، ولا اتفاقية سايكس بيكو عام 1916، التي قسّمت الوطن العربي إلى دويلات، ولا قبلها وثيقة “هنري كارمن بنرمن” التي كرّست لوعد بلفور، ولا حتى تصريح “تيودور هرتزل” عام 1897 حول بناء “الدولة اليهودية”. هم سبب نكبة فلسطين، لو لم يكن هناك إرادة دولية لتنفيذ وتسهيل اغتصاب فلسطين.
من رحم المعاناة التي واجهت الشعب العربي الفلسطيني جراء قيام العصابات الصهيونية بطرده من وطنه، بالتواطؤ مع بريطانيا وأمريكا، وبالقوة إبان نكبة اغتصاب فلسطين عام 1948.. كان يراقب هذه المعاناة، ويرصدها الوسيط الدولي للأمم المتحدة “الكونت فولك برنادوت” السويدي الجنسية، الذي عيّنته بموجب القرار رقم 186 لعام 1948، لتأمين القيام بالخدمات العامة الضرورية لسلامة سكان فلسطين ورفاهيتهم، وفق ما ورد في المادة الأولى من هذا القرار.. وحينما شاهد الوسيط الدولي هذه الجموع المغادرة لبيوتها بوضع غير إنساني – كما جاء في “التغريبة الفلسطينية” التي صوّرت الواقع كما جرى – لجهات مجهولة تألّم هذا الوسيط كثيراً.. وزاده الألم كون المهمة الموكلة إليه إنسانية، فنظّم تقريراً بالوقائع ضمنه توصية بعودة اللاجئين الفلسطينيين إلى ديارهم، والتعويض عليهم لقاء تلك المعاناة، ورَفَعَ هذه التوصية إلى الأمين العام للأمم المتحدة. وفي اليوم التالي حين علمت العصابات الصهيونية بهذه التوصية، التي لم تكن لصالحها، ضمرت له الشر، فنصبت عصابة “شتيرن” الصهيونية كميناً يوم 17/9/1948 لسيارته على طريق القدس، وأمطرته بوابل من الرصاص، وكان ضحية لمبادئه الإنسانية.
وتخليداً لذكراه ومبادئه التي قُتل من أجلها، أصدرت الجمعية العامة للأمم المتحدة القرار رقم 194، والذي تحوّل إلى الأساس القانوني لحق اللاجئين الفلسطينيين في العودة لديارهم وممتلكاتهم، خاصة وأنه يستند بالأساس إلى مبادئ القانون الدولي..
القرار وبموجب تفسيرات خبراء القانون الدولي واللجنة القانونية التابعة للأمم المتحدة شكّل صوناً لحق العودة، فهو يشكّل في الواقع: أولاً: الاعتراف من المجتمع الدولي ممثلاً بالأمم المتحدة بحق اللاجئين بالعودة إلى ديارهم التي هجّروا منها عام 1948، وثانياً: أكد القرار أن حق اللاجئين في العودة هو حق جماعي وفردي وغير قابل للتجزئة أو التصرّف أو الإنابة أو الوكالة، وثالثاً: إن قضية اللاجئين هي مكوّن رئيسي من مكوّنات القضية الوطنية الفلسطينية.
وقد جاء هذا القرار في خمسة عشر بنداً، أهمها ما يتعلّق منها بوضع سكان فلسطين تحت الاحتلال، ووضع مدينة القدس، والناصرة والأماكن المقدسة، وكذلك عودة اللاجئين والتعويض عليهم: الفقرات السابعة والتاسعة والحادية عشرة والرابعة عشرة.
والواقع أن لهذا القرار ولخطورته أهمية خاصة، حيث حوّل القضية الفلسطينية، لأول مرة، إلى “قضية لاجئين”، متناسياً الحقائق التي كانت قائمة في فلسطين.. ومنذ ذلك التاريخ والقضية الفلسطينية تعيش ولا تزال في أروقة الأمم المتحدة..
جاء في الفقرة 11 من القرار: تقرر وجوب السماح بالعودة في أقرب وقت ممكن للاجئين الراغبين في العودة إلى بيوتهم، والعيش بسلام مع جيرانهم، ووجوب وضع تعويضات عن ممتلكات الذين يقررون عدم العودة إلى بيوتهم، وعن كل مفقود أو مصاب عندما يكون من الواجب، وفقاً لمبادئ القانون الدولي والإنصاف، أن يعوّض عن ذلك الفقدان أو الضرر من الحكومات أو السلطات المسؤولة”.
وجاء في نص الفقرة 14: تدعو الحكومات والسلطات المعنية جميعاً إلى التعاون مع لجنة التوفيق وإلى اتخاذ جميع التدابير الممكنة للمساعدة على تنفيذ هذا القرار.
في حين تضمّنت توصية “الكونت برنادوت”، الذي اغتالته العصابات الصهيونية: “إن حق العودة هو العلاج الأكثر ملاءمة لإصلاح ما حدث من طرد جماعي للفلسطينيين، وانتهاك هائل لحقوقهم الإنسانية الجوهرية”، واختتم تقريره بعبارة واضحة وذات مغزى: “ستكون هناك إساءة لمبادئ العدالة الإنسانية إذا ما أنكر على هؤلاء الضحايا الأبرياء في الصراع حق العودة إلى بيوتهم”.
نستخلص مما ذكر أن حق العودة هو حق طبيعي من حقوق الإنسان، وهو حق كل فرد أو أفراد في العودة إلى الأماكن التي كانوا يقيمون فيها وأُكرهوا على مغادرتها، كما هو أيضاً حقهم في الحصول على تعويض عن المعاناة والآلام النفسية التي تولدت لديهم، وهو حق طبيعي من صلب حقوق الإنسان، وكذلك حق جماعي يتعلق بشعب بكامله ومصير أبنائه المنتشرين في أنحاء العالم.. وأن هذا الحق غير قابل للتصرف أو الإنابة أو الوكالة، كما أكده القرار رقم 3236 الصادر عن الجمعية العامة لعام 1974، وكذلك أكد القرار الحق للشعب الفلسطيني بتقرير مصيره.
إن حق العودة ليس حقاً مدنياً واقتصادياً واجتماعياً فقط، إنما له بعد ثقافي وتربوي لازم الحالة الفلسطينية منذ بداية الشتات، وأصبح يرتبط بحق آخر هو “تقرير المصير”، فالشعب الذي يعترف له بتقرير مصيره وفق القرار آنف الذكر حَريٌّ به أن يحظى بحق عودته.. إذ كيف له أن يقرر مصيره إذا كان خارج أرضه ووطنه.
المستشار: رشيد موعد
قاضي محكمة الجنايات سابقاً