دراساتصحيفة البعث

نتنياهو وترامب.. قصة مجرمين

ترجمة وإعداد: عائدة أسعد

خلال العقود العديدة الماضية، وتحديداً منذ عهد رونالد ريغان شهدت الولايات المتحدة تحولاً واضحاً نحو وضع أقل تسامحاً مع الأقليات، وأقل رعاية للفقراء وسياسات حكومية أكثر لصالح الأثرياء، وزيادة اعتماد السياسيين على تبرعات الشركات، وحتى لو سلّمنا أن الولايات المتحدة لم تكن يوماً ما مكاناً للتسامح والعناية بالفقراء ازدادت الأمور نحو الأسوأ في تلك الفترة.

إن أولئك الذين يتنافسون على أعلى المناصب مدينون ليس للناس أو الدستور الذي يزعمون أنهم يحترمونه، إنما لتلك الصناعات التي تتبرع بسخاء لحملاتهم، ففي عام 2016 تمّ ترشيح كلا الحزبين الرئيسيين للرئاسة وفازت السيدة الأولى ووزيرة الخارجية آنذاك هيلاري كلينتون بالانتخابات الشعبية في ذلك العام، وأصبح النرجسي نجم التلفزيون دونالد ترامب رئيساً بسبب الكتلة الانتخابية الغريبة في الولايات المتحدة.

وبعد ثلاث سنوات طويلة ومتعرّجة في إدارته يواجه ترامب الآن محاكمة، ومن المتوقع أن يتمّ تسليم مواد المساءلة من قبل مجلس النواب الذي يسيطر عليه الديمقراطيون خلال الأيام القليلة القادمة، وطبعاً سيكون الأمر متروكاً لمجلس الشيوخ الذي يسيطر عليه الجمهوريون ليقرّر ما إذا كان سيتمّ عزله من منصبه أم لا، وعلى الرغم من الأدلة القاطعة على أنه أساء استخدام سلطته لتحقيق مكاسب شخصية إلا أن فرصة إزالته لا تزال ضئيلة.

ولا يختلف الأمر في الكيان الإسرائيلي الذي لم يهتم في يوم من الأيام  لحقوق الإنسان أو القانون الدولي، والقمع الوحشي للفلسطينيين الذي يعود إلى أكثر من 70 عاماً هو الدليل الأكثر وضوحاً على ذلك، وقد أعرب رئيس الوزراء الحالي بنيامين نتنياهو عن ازدرائه التام للعرب وتحت قانون إدارته الفاسدة صدر قانون “دولة الأمة”، وأعلن أن “إسرائيل” هي موطن اليهود وليس أي شخص آخر، مع أن 25٪ من الأشخاص الذين يعيشون في الكيان الصهيوني من غير اليهود.

لكن هل تكون أطول خدمة لـ”إسرائيل” عندما تكون الإبادة الجماعية والعنصرية والمكاسب الشخصية هي الأهداف؟. على ما يبدو أن رئيس الوزراء الذي واصل ووسّع السياسات الوحشية والعنصرية لجميع أسلافه قد وصل إلى نهاية فترة ولايته، فهو متهم بسلسلة من التهم بما في ذلك الرشوة والاحتيال وخيانة الأمانة ويمكن إزالته من منصبه، ومع ذلك مثل الوضع في الولايات المتحدة ما زال يقاتل هو والمعجبون به لإبقائه في السلطة.

ومثل ترامب، نتنياهو يخدم من دون تفويض، بعد انتخابات نيسان لم يتمكن من تشكيل حكومة ائتلافية، لذلك ولأول مرة في تاريخها القبيح والدموي أجرت “إسرائيل” انتخابين في عام واحد، وجاء هو في المركز الثاني لكن ما زال يتمّ اختياره لتشكيل الحكومة ولم يتمكن من القيام بذلك، مما أدى إلى إتاحة الفرصة لأقرب منافسيه بيني غانتس الذي يتسم بقدر من البغضاء والعنصرية والذي فاز حزبه أزرق أبيض بمزيد من المقاعد التي حصل عليها حزب ليكود بزعامة نتنياهو.

ولكن مع قيام نتنياهو بمنع أي اقتراح لا يحافظ عليه كرئيس للوزراء وبالتالي وضعه في موقع يسمح له بمنع لوائح الاتهام الموجهة ضده والتي صدرت منذ ذلك الحين، لم ينجح غانتس أيضاً في تشكيل حكومة ائتلافية، والآن الفرصة مفتوحة على مصراعيها لأي عضو في البرلمان، وكل هذا يمهد الطريق لانتخابات أخرى في آذار، وبذلك تجري “إسرائيل” ثلاثة انتخابات في غضون فترة 12 شهراً.

إن دولتين مبنيتين على الإبادة الجماعية، وزعيماهما لا يحترمان القانون الدولي وحقوق الإنسان وسياساتهما الأسوأ، تغرقان الآن في الفوضى ولا يمكن لـ نتنياهو تشكيل حكومة وهو قيد الاتهام، فقد أصبحت سياساته العنصرية صارخة إلى درجة أن السياسيين الأمريكيين بدؤوا ينتقدونه هو وسياساته، وهو أمر لم يسمع به أحد منذ بضع سنوات.

لقد عزل ترامب الجيش بتدخله في قضايا العدالة العسكرية في الولايات المتحدة، وازدرائه لنصيحته في السياسة الخارجية مثل التخلي عن الولايات المتحدة من خطة العمل الشاملة المشتركة، وبأسلوبه الفوضوي العام للحكم وبأسلوب “أورويل” الحقيقي يُنظر إلى الحقيقة على أنها كاذبة، ويتمّ اكتشاف نظريات المؤامرة المفضوحة بالكامل، كما لو كانت وقائع مثبتة ويُنظر إلى الفقراء والمهاجرين والمسلمين والمكسيكيين وغيرهم على أنهم أعداء للولايات المتحدة الأمريكية.

من المؤكد ستؤدي المشكلات الداخلية التي يواجهها ترامب إلى نفور الكثير من الناخبين الذين لم يحسموا أمرهم، والذين ما زالوا لسبب غير مفهوم  يفكرون في التصويت لصالحه، وقد لا يكون مرشح الديمقراطيين هو منقذ الولايات المتحدة من طرقها الوحشية والإمبريالية.

إذا تمّ تجريد نتنياهو من دوره كرئيس للوزراء قد تتمّ إزالة عقبة رئيسية أمام تشكيل حكومة ائتلافية جديدة، ومع ذلك لا تزال الأحزاب المختلفة منقسمة للغاية ويتعيّن على غانتس القفز من خلال العديد من الأطواق من أجل تشكيل حكومة، وهذا لا يعني الديمقراطية لـ”إسرائيل” العنصرية، ولكن يمكن أن يكون خطوة نحو تخفيف بعض الألم والمعاناة للفلسطينيين وحديث غانتس عن ضم الضفة الغربية قد يدعو لبعض التفاؤل.

الحذر الشديد ضروري، فتدهور القوة العالمية أمر في غاية الخطورة، ولابد أن يكون حاكم أمريكا قادراً على تجاوز ذلك الانهيار في حالة إقالة ترامب من منصبه أو هزيمته في عام 2020. وفي “إسرائيل” التي تعتمد على الولايات المتحدة لتمويل ودعم العديد من جرائم الحرب قد تتمكن حكومة ائتلافية من كبح نتنياهو، لكن في كلا السيناريوهين هناك أمل ضئيل للغاية في التشبّث به.