كلام عن الملعون
عبد الكريم النّاعم
الملعونات كثيرة، وتتكاثر، حتى لكأنّ تناسلها لا يتوقّف، ولو للاستراحة، وأخذ النّفَس، أحد الملعونات هو الدولار، ويبدو أنّه ملعون ابن ملعونين، فمنذ أنْ اعتُمد دون تغطية له، بل بقوّة ما هي عليه أمريكا، كان على المتنبّئين الماليين والسياسيّين أن يدركوا أنّ زمن التناسل الشيطاني قد مدّ جناحيه على العالم، عجّل الله الفرج للخلاص من ربقة هذا القيد الصهيو ماليّ.
أحد أحفادي كتب منذ فترة، أثناء إحدى قفزات (الدّومار) بحسب ملفوظ جارتنا الأميّة،.. كتب: “فلت الملعون”، فقلت له مجيبا كانوا قديما يقولون في القرى، في حالة فلتان شيء ما، غير محبوب: “فلت العجل عّ أمّو”، إذ كانوا يربطون العجول حتى لا ترضع كلّ حليب البقرة، فلا يبقى لأصحابها شيء. لقد جرّنا الحديث دون تعمّد، فسيرة الدولار تشبه سيرة الأفعى، متى فُتِحت لانعرف كيف تُغلَق.
أداة من أدواتنا التي لم يعد لنا غنى عنها، أُلبِست ثوب اللعنة، هي من جهة يمكن اعتبارها “نعمة” إذا أجدنا استخدامها، ككل الأشياء الأخرى، ويمكن أن تنقلب إلى لعنة، وهو الموبايل.
في بدايات تعرّفنا عليه أصرّيت على أنّي لا أريد أن أحمل هذا الجهاز، وهاتفي الأرضي يكفيني، ولكنّ زوجتي، حفظها الله، اشترت جهازاً من النوع الذي سمّوه “شحّاطة”، ودفعت ثمنه قرابة العشرين ألف ليرة سوريّة، – ياويلاه-، كان هذا قرابة ما قبل تسعينيات القرن الماضي، وصرت إذا سافرتُ تعيرني إيّاه، وأنا لا أجيد استخدامه إلاّ فتْحا وتلقّياً للمكالمة، واتصالا بأرضي بيتنا.
ذات عودة من سفر، وكنت أحمل جهاز “الشحاطة”، وكنت أستقلّ سيارة أجرة لإيصالي إلى البيت جاءتني مكالمة، فرددت عليها، وبحسب تقديري أنني أعدتُ الجهاز إلى حافظته المشكولة في زنّاري، هبطتُ من السيارة، وأردت أن أرتّب ما أحمله ففوجئت أنّ (الملعون) ليس في حافظته، فاضطربت، ووقعت في حيص بيص، وأسرعتُ إلى الهاتف الأرضي، واتصلت برقم الموبايل، اتصلتُ وأنا شبه يائس، فأنا لا أعرف السائق، وقدّرت أنّ أحداً لن يرد، ومع ذلك فالملدوغ يشرب من كلّ بير، بحسب أحد أمثلتنا العاميّة، سمعتُ رنين الجرس، وانتظرت، فردّ عليّ صوت لا أعرفه، قلت له راجيا: “أخي أنا الذي أوصلتّني إلى..، ولقد سقط جهاز الموبايل منّي”، فقال لي: “أنا كنتُ في طريقي إلى حيث أوصلتك”، فرُدّت لي السكينة، ووقفت في الشارع أنتظره، ولمّا وصل ناولني ما أثار فقدانه فيّ كلّ ذلك الاضطراب، وأردتُ أن أعطيه مبلغا من المال، فابتسم، واعتذر، وقال بحياء: “ناموس وفلوس ما بيصير يا أستاذ”، قلت له: “اقبل أجرة المشوار”، قال: “ولا أجرة المشوار”، ابتسم وانطلق بسيارته، وما تزال صورته مرسومة في ذاكرتي.
فيما بعد أجبرتني الظروف على قبول حمل “موبايل” اشترته لي زوجتي إثر إبلالي من إحدى العمليات الجراحيّة، وفشا حضور الموبايل تفشّي الوباء، حتى صار أبناء أحفادنا يفهمون فيه أضعاف ما نعرفه عنه، وصار من المعهود، بحسب ما أرى من نافذة مطلّة على الشارع، أن ترى الشاب والشابة يسير أحدهما وفي يده (ملعونه)، إمّا متكلّماً، أو متابعا شيئا فيه، ويكاد يصطدم بالمارة وهو مشغول،!! راكب دراجة كهربائية يقود دراجته بيد وفي اليد الأخرى يطالع إحدى صفحات الموبايل!!
عشرات التنبيهات، في التلفزيون، وفي الإذاعة، وفي الصحف، عن أخطار أن تنام ويكون (ملعونك) قريبا منك، أو تحت وسادتك، مع شرح للأضرار النّاجمة عن ذلك، ولا حياة لمن تُنادي، ومئات التّحذيرات، والكلام في واد وسماعه في واد، ولدى كلّ واحد منكم عشرات الحوادث ممّا يُروى في هذا السياق، بيد أنّ الرواية ليست هي الغرض، وإنّما أن نبحث عن حلول عمليّة، جذريّة، قابلة للتنفيذ، في تجنّب أخطار هذه الملعونات.
aaalnaem@gmail.com