الصفحة الاخيرةصحيفة البعث

الوجدان والثقافة

عبد الكريم النّاعم

الوجدان -بحسب ويكيبيديا- هو مجموع الأحاسيس والانفعالات والعواطف والاتجاهات والميول التي يُتفاعل معها أو يتأثّر بها، من حب وكراهية ولذّة أو ألم وميل ونفور.
والثقافة بحسب المصدر ذاته، وآخذها بتصرّف، بهدف الاختصار، سلوك اجتماعي في المجتمعات البشريّة، بعض جوانب السلوك الإنساني والممارسات الاجتماعيّة، والأشكال التعبيريّة مثل الفن والموسيقا والرقص والطقوس، وتقنيات الطبخ، والمأوى، والملابس، والأساطير، والفلسفة، والأدب، والعلم يتكوّن من التراث الثقافي غير المادي للمجتمع.
في كلا التعريفين نجد أن السلوك الاجتماعي، مصرّحا به أو مُضمَرا، يُعتبر ركيزة من ركائز التعريف، أي أنّ ما يكون إيجابيّا بالنتيجة، أي ما ينفع الناس، هو المقدَّر كقيمة اجتماعية، أمّا ما يؤدّي إلى الإضرار بالمجتمع فهو مرفوض، ويجب أن يُقاوم، وأن يُطرد لأنّه أشبه ما يكون بالنباتات السّامة بين الأعشاب.
قد يخطر بالبال سؤال: “هل الثقافة عاصم من الانزلاقات التي قد تؤدّي بمن سقط فيها لأن يكون في صفّ الشياطين والأبالسة”؟
إنّ الثقافة ليست عاصما، ولا العلم بعامة عاصما، ودليلنا على ذلك النّمط الأوّلي (إبليس)، ففي أغلب المرويات أنّه كان أعلم الملائكة، حتى سمّي بطاووس الملائكة، فهل عصمه علمه عن الانزلاق لدرجة الطّرد من الجنّة، وحلول لعنة الجبّار عليه مدى الأزمنة.
ولكي لا نظلّ نتكلّم بما يُشبه التّنظير، والمجرّدات، ها هو الواقع بين أيدينا، وأمثلته موجودة فوق الأرض العربيّة التي لفحتها حرائق الخراب العربي، وبعض النّماذج التي سنمرّ عليها متوفّرة في كلّ حراك من تلك الحراكات، وهنا يبرز دور أثر المغريات الحياتيّة الآنيّة الزائلة، حين تصبح هي الميزان الذي يزين به المُنزلِق، وحين لا يفكّر إلاّ بمكاسبه الشخصيّة.
تُرى هل نستطيع القول إنّ أستاذا في السوربون هو جاهل؟! وهو الذي يبسط ما حفظه، وما استنتجه على طلاّب سيتخرّجون ليكونوا شموعا تضيء؟ مثل هذا ما الذي يغريه، وهو مكتف ماديّا، وغير محتاج، وإذا كان لبعض الرعاع، أتباع كلّ ناعق، أن يضلّلهم “العرعور” وأمثاله، فهل يُقبَل هذا من أستاذ جامعيّ مثلا؟!
هنا يظهر مقدار الخَوَر، والرخاوة الأخلاقيّة الوجدانيّة، وتصبح المنفعة الذاتيّة، والكسب، والحصول على المزيد من المال هو الصنم الذي يَسجد له هذا المحشوّ معرفة، وثقافة، وعلوما مختلفة.
ما الذي جعل بعض أصحاب القلم، المثقّفين! السوريّين يدخلون متاهات من التردّي، والانحلال في السلوك الوطني، والتدنّي في التعبير عن ذواتهم، بعد أن فتح لهم وطنهم مساحات من الفضاء الأزرق الصافي، على الرغم من أنّ بعضهم كان منسجما مع أن يُصنّف في صفوف “المعارضة”، دون أن يناله أيّ حيف أو ظلم من ذلك؟! هل هو سوء التقدير؟! أنا أستبعد ذلك لأنّ الضباب الذي ربّما شكّل ساترا، وذريعة للبعض، قد انقشع، وأزالت سديميّته تضحيات الشهداء الذين رووا الأرض بدمائهم، وما زالوا يفعلون؟!
لقد كنّا جميعا أمام نار متوقّدة، ضرامها يزيل الخَبَث، ولا يصمد لحرّها إلاّ الذهب الأصيل، لا الذي يَلمع، أو يُلمَّع فيخدَع.
هنا يأتي دور الوجدان، ولا أتوقّف عند معانيه الأكاديميّة الموسوعيّة، على أهمّيتها، بل أعود إلى المعنى القارّ في أعماق الشرفاء، والأصلاء من أبناء هذه الأرض، فالوجدان في أعرافهم يعني المروءة، والإخلاص، والنّجدة، والكرم، والشجاعة، وإغاثة الملهوف، والتصدّي للظلم أيّا كانت أشكاله، والإيثار، وعدم الانزلاق للدنايا التي تجرح الكرامة، وتحطّ الشخص من أعين مَن حوله، ولا يُقدم على ما يشين ولو كان في ذلك هلاكه.
بهذا المعنى،- كما ذكرت في زاوية سابقة،- قد يكون راعي أغنام في البادية هو أعلى مقاماً وجدانيّا من أستاذ في الجامعة، وهذا ما يُفترَض أن نؤكّد عليه في تربيتنا لأبنائنا، وفي مناهج تعليمنا، وفي تقديم النّماذج التاريخيّة.

aaalnaem@gmail.cim