لا مبرر لهذا الاغتيال
ترجمة: سمر سامي السمارة
عن موقع سبوت نك 3/1/2020
تجاوزت الغطرسة الأمريكية الخارجة على القانون -مع اغتيال أكبر قائد عسكري في إيران- كل الحدود، وقد نُفذت الضربة الجوية المميتة ضد الجنرال قاسم سليماني والعديد من كبار المسؤولين العسكريين الإيرانيين في الهجوم الأمريكي على مطار بغداد، بأمر من الرئيس دونالد ترامب.
وصف السياسيون الإيرانيون هذا العمل بأنه “عمل إرهابي” وتعهدوا بالانتقام الشديد. في الوقت نفسه، نشر ترامب صورة للعلم الأمريكي في حسابه على تويتر، احتفاءً بنجاح الضربة الأمريكية بعد ظهور نبأ الاغتيال يوم الجمعة، وأعلن في وقت لاحق بأنه “كان يجب الاهتمام بأمر الجنرال الإيراني منذ سنوات”.
من دون شك، اعتبرت الولايات المتحدة سليماني عدواً، فقد كان ينظم مقاومة عسكرية فعّالة في وجه المطامع والتطلعات الإمبريالية في سورية والعراق ولبنان وأماكن أخرى في جميع أنحاء الشرق الأوسط. وبسبب هذه الإستراتيجية، كان “المحارب القديم” البالغ من العمر 62 عاماً له مكانته وتقديره ليس في بلده فحسب، بل في جميع أنحاء المنطقة.
يدّعي ترامب أن الاغتيال كان “ضربة دفاعية وقائية” ضرورية، لأن سليماني كان يخطّط شخصياً لشنّ هجمات ضد القوات والدبلوماسيين الأمريكيين على مستوى المنطقة. في الحقيقة، لن يكون هناك أي مصداقية قانونية لجريمة القتل الاستباقية “الدفاعية”، فالاتهامات الموجهة ضد سليماني ليست سوى إشاعات، تعتمد على ما تروّج له وكالات الاستخبارات الأمريكية الموصومة بالعار دولياً، ما يذكّرنا بتحذيرات المسؤولين الأمريكيين منذ شهور مما يسمونه المؤامرات الإيرانية لتعطيل المصالح الأمريكية في الشرق الأوسط، والتي تعتمد على تكهنات فارغة مماثلة.
من المؤكد أن أمر ترامب باغتيال مثل هذه الشخصية العامة المبجلة في دولة لا تخوض معها الولايات المتحدة حرباً رسمية، يعدّ انتهاكاً سافراً للقانون الدولي، ولا يمكن أن يكون هناك مبرر لهذا الاغتيال على الرغم من مزاعم إدارة ترامب.
تعتبر إيران قاسم سليماني قائد فيلق القدس، في المرتبة الثانية من حيث الأهمية بعد آية الله خامنئي، المرشد الأعلى للثورة الإيرانية. وعليه فإن ما قام به ترامب ليس عملاً إرهابياً بربرياً فحسب، بل هو عمل حربي متهور. إن الأمر باغتيال كبار المسؤولين الأجانب بموجب مرسوم رئاسي دون أي صفة شرعية يعرّض الولايات المتحدة والعالم للخطر، وإن تحريض ترامب على شنّ حرب شاملة مع إيران من المحتمل أن يجرّ دولاً عدة إلى حرب عالمية.
منذ عقود عدة، تتصرف الولايات المتحدة كما لو كانت فوق القانون، وعليه تتصاعد الآن الحروب والغزوات غير المشروعة التي لا حصر لها ضد بلدان أجنبية، والتي تؤدي إلى مقتل الملايين من الناس، بأمر من الرئيس وفريقه الحاكم، ما يدلّ على تجاهل مطلق حتى للتفاصيل القانونية الدقيقة. أصبح خروج الولايات المتحدة عن القانون الآن أمراً مستشرياً ووقاحة تتسم بالغطرسة، وسواء ردّت إيران الآن أو في ما بعد فإن ردّها قانوني وشرعي.
لقد جرّ العدوان الأمريكي والإحساس الدائم بالإفلات من العقاب، العالم، إلى وضع خطير للغاية، حيث أصبح واضحاً أن لا جدوى للقانون الدولي. إذ تتصرف واشنطن كمستبد يفعل ما يحلو له من حروب، وعقوبات، واغتيالات، وكافة أشكال البلطجة، وكل ذلك يتمّ مع تصور مخيف بالأحقية الذاتية، يمكن القول، لم يُشاهد إجرام لدولة بهذا الحجم منذ الرايخ الثالث. لكن ألم يدرك الأمريكيون أن مثل هذا النفاق والغطرسة اللذين تأتيا بسبب الجهل الفادح للسياسيين والمؤسسات الأمريكية، سيقود الولايات المتحدة وهي الإمبراطورية المثقلة، والخارجة عن القانون نحو انهيارها.
لقد زعزع مقتل الجنرال قاسم سليماني الأسواق المالية الأمريكية بسبب تداعيات الحرب المحتملة. يمكننا فقط أن نتخيّل كيف سينهار الاقتصاد الأمريكي والعالمي إذا أرسلت الصواريخ الباليستية الإيرانية بضع سفن حربية أمريكية إلى قاع الخليج العربي.