دراساتصحيفة البعث

أوهام العظمة تقرّب نهاية ترامب

ترجمة: عائدة أسعد
عن نيويورك تايمز 6/1/2020
منذ أيامه الأولى في المنصب تصرّف ترامب بناءً على الاعتقاد الظاهر بأنه قادر على ترهيب الحكومات الأجنبية بسهولة، وأنها ستنهار بسرعة وتسمح بإذلال نفسها، وتخيّل أنه يواجه عالماً من ليندسي غراهام على استعداد للتخلي عن كل الكرامة في أول تلميح للتحدي. إن هذه الإستراتيجية فاشلة لأنها تؤدي إلى تقوية الأنظمة التي يهدّدها بدلاً من إضعافها، وهو من ينتهي به الأمر لتقديم تنازلات مهينة.
على سبيل المثال توّعد ترامب “بالنار والغضب” ما لم توقف كوريا الديمقراطية برنامجها للأسلحة النووية، وادّعى تحقيق النصر بعد اجتماع قمة 2018 مع زعيمها كيم جونغ أون، وتبيّن بعد ذلك أن كيم لم يقدم أية تنازلات حقيقية بل أعلنت كوريا الديمقراطية مؤخراً أنها قد تستأنف تجارب الأسلحة النووية والصواريخ بعيدة المدى.
وفي حربه التجارية مع الصين، والتي كان من المفترض أن تركّع الصينيين، تمّ التوصل إلى صفقة لا ترقى لمستوى الأهداف الأمريكية، حيث برع المسؤولون الصينيون في مواجهة ترامب.
لماذا تستمر إستراتيجية ترامب الدولية والتي يمكن وصفها بالفوز من خلال التخويف من الفشل؟ ولماذا يواصل متابعتها على أية حال؟.
الإجابة عن تلك الأسئلة واضحة، وهي أن ترامب مثله مثل الكثير من الأمريكيين يواجه صعوبة في إدراك حقيقة أن للدول الأخرى كيانها، أي أننا لسنا الدولة الوحيدة التي يفضّل مواطنوها دفع ثمن باهظ بالمال وحتى بالدم وعدم تقديم تنازلات مهينة، وهو لا يدرك أن الدول الأخرى لن تتفاعل معه كما يريد، وأنه باغتيال سليماني يواجه موجة من السخط والغضب وسط عدد من المسؤولين، وأن قبضته على السلطة باتت في خطر.
كيف سيكون ردّ فعل الأمريكيين لو أن قوة أجنبية اغتالت ديك تشيني لأنه قتل مئات الآلاف من العراقيين؟ إننا لا نقبل حق الحكومات الأجنبية في قتل مسؤولينا، فلماذا نتخيّل أن الدول الأخرى مختلفة وأنه يحق لنا ما لا يحق لغيرنا؟!.
بالطبع لدينا الكثير من الأشخاص في السلك الدبلوماسي ممن لديهم معرفة عميقة بالأمم الأخرى ودوافعها، وهم يدركون حدود تخويف الآخرين، ولكن أي شخص لديه هذا النوع من الوعي تمّ استبعاده من الدائرة الداخلية لترامب.
وحقيقة أن أمريكا كانت أكثر من مجرد بلد كبير يلقي بثقله في كل مكان لا تعني أننا كنّا دائماً قوة من أجل الخير، فقد قامت أمريكا بالعديد من الأشياء الفظيعة كهيمنة عالمية، لكن من الواضح أننا أيّدنا حكم القانون العالمي ونظاماً يفرض قواعد مشتركة على الجميع، بمن فيهم نحن الأمريكيون، وربما كانت الولايات المتحدة الشريك المهيمن في التحالفات مثل حلف الناتو، والهيئات مثل منظمة التجارة العالمية، وحاولنا دائماً التصرف على أننا نحن الأهم والباقي متساوون.
لقد أدار ترامب ظهره لكل ما يمكن أن يجعل أمريكا عظيمة بقيادته وتنمّره بأوهام العظمة بالتخلي فجأة عن حلفاء مثل الأكراد وتكريم مجرمي الحرب ووضع تعريفات عقابية على الدول الصديقة مثل كندا دون سبب وجيه، وبالطبع بعد أكثر من 15000 كذبة بات من الواضح أنه لا يوجد شيء يقوله زعيمنا وأتباعه يمكن الوثوق به.
يبدو أن مسؤولي إدارة ترامب يشعرون بالدهشة من العواقب السلبية الموحدة لاغتيال قاسم سليماني، فالنظام الإيراني يتمتّع بالسلطة وقد أصبح العراق معادياً ولم يقف أحد في صفّنا، ولكن هذا ما يحدث عندما تخون جميع أصدقائك وتبدّد كل مصداقيتك.