أخبارصحيفة البعث

الحرب والحياة (6) نحو وضع برنامج «النصر في الاقتصاد»!…

 

د. مهدي دخل الله

النصر حالة شاملة تغربل الواقع بكامله لتنتقل به من وضع إلى آخر، والنصر ليس حالة ستاتيكية خالصة، وإنما هو عملية طويلة تتراكم فيها التحولات شيئاً فشيئاً وسط مسار طويل.. طويل جداً..
وللنصر ثلاثة أركان، ركن عسكري وآخر سياسي وثالث اقتصادي (واجتماعي).. ولا شك في أن النصر العسكري هو قاعدة الركنيْن الآخرين ومنطلقهما، إذ من دونه لا يمكن الحديث عن أي نصر. من أهم سماته أنه ينبغي أن يكون تاماً بغض النظر عن الخسائر والتضحيات الكبيرة.
أما النصر السياسي، فهو ضروري، لأنه الهدف الحقيقي للنصر العسكري. وقد يتحول الانتصار العسكري إلى انهزام سياسي، فيموت الاثنان معاً، وهذا حصل بعد حرب 1973، حيث تحوّل النصر العسكري العربي إلى هزيمة سياسية منكرة بسبب كامب ديفيد بين مصر وإسرائيل..
وإذا كانت هناك قيادة قوية وحكيمة، فبإمكانها تحويل الانكسار العسكري إلى نصر سياسي، وهذا من أصعب الأمور، لكنه من أكثرها إعجازاً، كما حصل عام 1982 في البقاع، حيث حوّلت سورية خساراتها العسكرية في مواجهتها المباشرة مع أمريكا والصهاينة إلى نصر سياسي مقاوم أدى الى خروج الأمريكيين والإسرائيليين من بيروت … ثم من لبنان..
يبقى الركن الثالث، أي النصر الاقتصادي وهو الأهم، ومن المدهش أن أمماً حققت نصراً اقتصادياً على الرغم من انهزامها المهين في الركنين، العسكري والسياسي. فاليابان وألمانيا أنجزتا نصراً اقتصادياً مذهلاً على الرغم من انهزامهما التام عسكرياً وسياسياً في الحرب العالمية الثانية (1934– 1944)…
وأفضل الحالات على الإطلاق نصر عسكري يتبعه نصر سياسي، ثم نصر اقتصادي، وهذا ما نأمله في سورية على الرغم من أن الطريق مازال صعباً. المهم ألا نسمح بأن يأخذ أعداؤنا بالسياسة والاقتصاد ما لم يستطيعوا أخذه بالحرب، أي أن يحولوا نصرنا العسكري القادم إلى هزيمة سياسية واقتصادية..
ولا شك في أن وضع برنامج اقتصادي الآن هو من أول المهام ما دمنا واثقين من النصر في المجالين العسكري والسياسي..
لكن ما هي منطلقات هذا البرنامج؟ ما هي مضامينه؟ وما هي أهدافه؟ أسئلة بحاجة للجنة خبراء اقتصاديين سوريين يشارك فيها باحثون من دول سبقتنا في تجربة الجمع بين حسنات الاشتراكية وحسنات الرأسمالية (السويد على سبيل المثال)..
لكن هناك منطلقين منهجيين ضروريين لبرنامج الإنعاش الاقتصادي الذي هو برنامج «النصر الاقتصادي»: الأول أن يفتح السياسيون آذانهم وعقولهم لما تقوله لجنة الخبراء الاقتصاديين. الثاني أن نتجه نحو الحلول العملية للقضايا الأساسية دون الارتهان إلى المقولات النظرية العامة، وأن تكون معايير الجدوى التنموية هي الموجه الأول بعيداً عن الإيديولوجيا والمقولات المسبقة، فلا يمكن تحقيق العدالة في توزيع الدخل إن لم يكن الدخل موجوداً أصلاً. علينا أن نقر بأن الوضع الاجتماعي مرهون بالتقدم الاقتصادي، فهذا التقدم هو السبب، أما ذاك الوضع فهو النتيجة، ولا يمكن وضع الحصان أمام العربة، ومرة انتبه الزعيم الشيوعي نيكيتا خروتشوف إلى هذه المعضلة، فأطلق جملته الشهيرة: «لا نريد أن نكون متساوين أمام الصحون الفارغة»…

mahdidakhlala@gmail.com