تونس.. انتخابات تشريعية جديدة تلوح في الأفق
أمام الرئيس التونسي قيس سعيّد عشرة أيام لتعيين شخصية بديلة للحبيب الجملي لتشكيل حكومة جديدة، وإلا ستنظم انتخابات تشريعية جديدة، فيما يقدّم حزب “قلب تونس” نفسه بديلاً، ومتحدّثاً عن “مبادرة وطنية” باستطاعتها جمع عدد من الكتل السياسية لتأليف حكومة جديدة.
ومع سعي الرئيس سعيّد إلى إطلاق مفاوضات بين “حركة الشعب” و”التيار الديمقراطي” و”تحيا تونس”، يرى مراقبون أن فشل الحبيب الجملي في نيل ثقة البرلمان، يؤكّد أن حركة النهضة تلقت “ضربة قاسية”، حسب وصف إحدى الصحف المحلية.
وبهذا الوضع الجديد، سترجع المفاوضات بين الأحزاب لتشكيل حكومة جديدة إلى نقطة الصفر، وسيتطلب الأمر أسابيع أخرى من المفاوضات، وإلا فالانتخابات المبكرة هي الحل.
ومن أجل استطلاع أسماء بديلة، اجتمع الرئيس سعيّد مع رئيس البرلمان وشدد أمامه على احترام الدستور، فيما رأى مراقبون أن النهضة، الحائزة 54 مقعداً من أصل 217، لم تستخلص رسالة الناخبين، وأنها خسرت فرصتها، وأنها تسعى للحفاظ على موقع في الحكومة المقبلة، وسيكون من الصعب عليها التأثير في المفاوضات، خصوصاً في حال تجمعت كتل صغيرة” لمواجهتها.
وكان نبيل القروي رئيس حزب قلب تونس، وترتيبه الثاني برلمانياً بـ 38 مقعداً، عرض نفسه كبديل، كاشفاً عن “مبادرة وطنية” من شأنها جمع كتل برلمانية، وأشار إلى كتلة حركة الشعب وإلى ليبراليي حزب “تحيا تونس” ومستقلين، لكن “الشعب” سارعت إلى النفي.
وشدد حزب “قلب تونس” على “انفتاحه على كل الأطراف المعنية بالمشاورات الدستورية للتباحث بهدف الاستعداد لها، وبغاية ربح الوقت والإسراع في تكوين حكومة إنقاذ وطني تستجيب لاهتمامات التونسيين دون إقصاء.
وكان بارزاً استخدام الحزب مصطلح “حكومة إنقاذ وطني” ولا سيما بعد يوم من الإعلان عن أكبر كتلة برلمانية بعد فشل الجملي، تحت اسم “جبهة الإنقاذ الوطني” بعضوية “قلب تونس”.
ولا يملك الرئيس التونسي، الذي انتخب رئيساً بغالبية واسعة، حلفاء طبيعيين ضمن المشهد السياسي، وقد سعى إلى أخذ مسافة واحدة من مختلف الأحزاب.
وينص الدستور على أنه في “صورة عدم نيل الحكومة التي يكلّف بتشكيلها الحزب الفائز في الانتخابات التشريعية ثقة البرلمان، يتولّى رئيس البلاد تعيين شخصية مستقلة، يكلّفه بتشكيل حكومة جديدة”.
وحسب الفصل “89” من الدستور التونسي، وعند تجاوز الأجل المحدد دون تكوين الحكومة، أو في حال عدم الحصول على ثقة مجلس نواب الشعب، يقوم رئيس الجمهورية، في مدة عشرة أيام، بإجراء مشاورات مع الأحزاب والائتلافات والكتل النيابية لتكليف الشخصية الأقدر من أجل تكوين حكومة في أجَلٍ أقصاه شهر.
وبالمحصلة، تتحدث وسائل إعلام تونسية عن أن فشل الحكومة بنيل ثقة البرلمان كشف عن وجود منطقة سياسية فارغة، وهي بحاجة إلى أن يملأها بخطاب مختلف عن الصراعات السياسية التي عطلت تشكيل الحكومة.
ويتضح هذا الفشل بسبب النخبة السياسية في البلاد التي لم تتوصل إلى بناء تفاهمات سياسية على غير قاعدة الإقصاء.
بالتوازي، دعا سياسيون وأحزاب ونشطاء تونسيون إلى سحب الثقة من رئيس البرلمان راشد الغنوشي، على إثر زيارته لتركيا، بعد يوم واحد من إسقاط الحكومة المقترحة في البرلمان، وطالب تونسيون على مواقع التواصل الاجتماعي نواب البرلمان بمساءلته وسحب الثقة منه، متهمين إياه بالارتهان إلى سياسات خارجية وإقليمية والاستنجاد بالنظام التركي للتخفيف من حدة الهزيمة التي مني بها بعد إسقاط الحكومة التي قدّمتها النهضة في البرلمان.
واعتبر محسن مرزوق أمين عام حركة مشروع تونس أن “ذهاب رئيس مجلس نواب الشعب ورئيس حركة النهضة راشد الغنوشي إلى اسطنبول لمقابلة رئيس النظام التركي رجب طيب أردوغان مباشرة بعد سقوط الحكومة في البرلمان، كما ذهب في مناسبات مماثلة يؤكد مرة أخرى بما لا مجال للشك فيه أن قرار حركة النهضة مرتبط بتوجيهات تركيا”، وقال في تدوينة على فيسبوك: “على أعضاء مجلس نواب الشعب الأحرار أن يسألوا أنفسهم كيف يمكن أن تتحول مؤسسة رئاسة مجلسهم في شخص رئيس المجلس إلى حالة تبعية لدولة أجنبية؟ هذا سبب إضافي لإحداث تغيير في رئاسة المجلس”.
واتهم سياسيون ونشطاء تونسيون الغنوشي بعدم التمييز والفصل بين مهامه كرئيس حركة النهضة ورئيس البرلمان، وكان ذلك واضحاً خلال جلسة منح الثقة التي لم تحصل عليها حكومة الجملي، حيث شن هجوماً لاذعاً على الأحزاب، في حين أن مهمته كانت رئاسة البرلمان، الذي يعكس أصوات جميع التونسيين.
وقال مرزوق: إن “الغنوشي نسي وضعه كرئيس برلمان، ولعب دوره كاملاً كرئيس للنهضة مجتهداً ومناوراً لمحاولة تمرير حكومة الحبيب الجملي”.
وزيارة الغنوشي إلى تركيا للقاء أردوغان هي الثانية منذ الانتخابات التشريعية، وهي تأتي في ظرف حساس في المنطقة نظراً لتزامنها مع والتطورات الأخيرة في ليبيا، وتثير مخاوف من تعمّق النفوذ الأردوغاني في تونس.