اقتصادصحيفة البعث

“ليرتنا عزّتنا” بين القيمة والقِيم..!؟

هل الأشياء هي التي تعطي قيمة للإنسان، أم أن الأخير هو القيمة ومصدرها ومعطيها؟.
ننطلق من هذا السؤال البسيط في ظاهره العميق في معانيه ومراميه، ولاسيما بعد أن أصبحت الإجابة عنه محل خلاف واختلاف في هذا الزمن المتغوّل في ماديته واستهلاكيته..، نتيجة للتحولات التي فرضتها الاقتصادات “النيو ليبرالية” وسيطرتها، بحكم قواها وأذرعها المتحكمة بالأسواق العالمية، على العلاقات وحركة النقد والمال والاستثمار والسلع في تلك الأسواق…
ولعل أخطر مفرزات المرحلة “النيو ليبرالية”، إسقاط القيم الروحية والإنسانية والأخلاقية وما يتبعهما من قيم سامية، وبالتالي قيمة الإنسان، خلافاً لبديهية ومسلّمة أن الأخير هو بذاته قيمة القيم، في مقابل إعلاء القيم المادية للأشياء الجامدة، وجعلها منبعاً لكل القيم ومرجعاً رئيساً للقيمة، حتى قيمة الإنسان نفسه!.
نعم قيمة الإنسان غدت قضية جدلية..!، حيث أضحى في مجتمعاتنا -على سبيل المثال- ليس فقط، من المستساغ سماع وقبول مقولة: “من يملك ليرة يساوي ليرة، ومن لا يملك شيئاً لا يساوي شيئاً”، لا بل “الإيمان” بها وتأكيدها والعمل بموجبها و”بهداها”، حين مقاربتنا وتعاطينا معها، كبشر ومجتمعات إنسانية..، على أساس أنها الصحيح في طبيعة الأمور وصيرورتها..؛ وهذه هي الكارثة الكبرى!.
مثل تلك المفاهيم المدمّرة لقيمة الإنسان الفكرية والإبداعية، ورغم إثبات قدرة الإنسان على الوصول لمرحلة الابتكار العلمي والعملي..، أضحت اليوم وللأسف الشديد، هي السائدة المسيطرة مجتمعياً واقتصادياً إلى حد بعيد، وفي الآن معاً أصبحت قيمة الإنسان وقدرته محل شك وريبة، في مقابل التسليم المرضي بالقيمة المطلقة للمادة (النقد والمال) في إحداث التغيرات الكبرى!.
ولعل خير ردّ على مُتبنّي هذا الفكر المدمر..، تذكيرهم بما استطاعته بعض الأمم والشعوب، حتى ممّن تعرضت لنكبات بلغت حد الإبادة كاليابانيين والصينيين..، ولا داعي لشرح وسوق الأمثلة على ما كانت عليه تلك الأمم وبماذا مرت وإلى أين وصلت اليوم، علمياً واقتصادياً ومجتمعياً..!؟.
أما محلياً فخير ردّ مختزل على أصحاب هذا الفكر..، تذكيرهم بالقول العامي المأثور: “بيت رجال لا بيت مال”، ولأن العامة لا تقول شيئاً إلاَّ وفقهته والفقه بمعنى من المعاني هو قمة العلم، بدورنا نقول مؤكدين: إننا بحاجة إلى رجال قادرين على إحداث التغيير المأمول اقتصادياً ونقدياً ومالياً وبالتالي معيشياً..، علماً أنهم موجودون ولكن؟!.
مبادرة “ليرتنا عزتنا”، التي هي مرمى مقالنا هذا..، ورغم رأينا فيها وقراءتنا لها وتحليلاتنا لآثارها التي سنتركها جانباً، إلاَّ أنها أضاءت على جانب مشرق كان معظمنا غافلاً عنه تماماً..، وهو المفهوم القيمي الحقيقي للأشياء أياً كانت..، والأهم أنها أعادت التفكر بقيمة الإنسان ذاته لا بما يملك..، وبيّنت معدن مواطننا البسيط الأصيل بطيبته ونخوته..، والدليل انتشار إعلان “بليرة واحدة فقط” بإمكانك الامتلاك والحصول على أشياء وسلع وخدمات..، يصل سعرها –لا قيمتها- لمئات الآلاف؟!.
المبادرة والتي غاب عنها ممن كان يفترض عدم تَغيُّبه..!، ولم نستغرب ذلك، فوجئنا حقيقة بعدد أصحاب الأنشطة الاقتصادية والتجارية والخدمية الصغيرة، الذين تجاوبوا وبادروا..، حيثيات لها دلالات، سنترك للأيام أن تكشفها!.
لكن سنستذكر ذاك الاجتماع الذي عُقد قبل الأزمة، وجمع وزيرة الاقتصاد السابقة الدكتورة لمياء عاصي وكبار التجار السوريين، يومها حاولت الوزيرة جاهدة إقناع “الكبار” بتخفيض سعر الكيلوغرام الواحد من مادتي السكر والرز “ليرة واحدة فقط” فأبوا..!؟.
قسيم دحدل
Qassim1965@gmail.com