الصفحة الاخيرةصحيفة البعث

نوافذ 59

 

 

 

عبد الكريم النّاعم
على صفحة أحد الأصدقاء قرأت شيئا عمّا يدين به “الهنود الحُمر”، أهل أمريكا الأصليّين الذين أبادهم غزاة ولصوص أوروبا بعد اكتشاف أمريكا، وهجرةِ مَن هاجر من أوروبا إليها، فحملوا معهم الخراب والدّمار، واستأصلوا هذا الشعب الرّائع، إلاّ بقايا منه، مازالت شاهدة.
المبادئ التي قرأتُها ليست جديدة كلّ الجدّة على الفكر البشريّ، ولكنّ فيها من الدّفء والرّوح العالية التي تحترم الحجر والشجر والحيوان والإنسان ما يُشكّل خصيصة إنسانيّة بالغة الروعة والتعبير، وهي تتوجّه في كلّ تحرّكاتها نحو “الرّوح الكليّة”، الخالقة لكلّ ذلك بكثير من الصفاء، والشفافية، وهذا ما يحمّل الغزاة الأوروبيّين لا جريمة إبادة ذلك الشعب بل وإبادة الأفكار التي يحملها، فهم- الغزاة- استئصاليون في كلّ شيء، وما زالت روح استئصال الآخر تسيطر عليهم في كلّ تحرّكاتهم العامّة، وخاصّة بعد أن أصبحوا القوّة البطّاشة في العالم، وما تفعله الويلات المتحدة خير شاهد.
يتساءل الإنسان إلى متى يظلّ هذا الطاغوت الشرير يفرض حضوره من خلال مبدأ القوّة، والعنف، والسّطو، والاستئثار بخيرات الشعوب المنهوبة؟!
لاشكّ عندي أنّه ما من إمبراطوريّة في التاريخ، بقيت، أو تبقى إلى أبد الدهر، ولا شكّ أنّ هذه الإمبراطورية ستنهار في وقت من الأوقات، وهذا يعطي قيمة إضافيّة للقوى التي تتصدّى لمشاريع هذا الطاغوت، وهي مساهمتها في التعجيل بخلاص البشريّة من هذا اللصّ المجرم، منشأً، وتوجّهاً.
****
على صفحة التواصل الاجتماعي أيضا، كتب صديق أحترم آراءه، وإنّ كنت لا أتّفق معها جميعا، فذكر حاجتنا إلى رجل كعبد النّاصر، لا إلى الأيديولوجيّا، وهذا فصل لافت، ويُثير سؤالا مركزيّا، وهو هل يمكن الفصل بين الرجل القائد الذي نعنيه، وبين الأيديولوجيا التي يطرحها، والتي هو عليها؟!
لقد حقّق الأنبياء، والذين تركوا بصمات إيجابيّة في تاريخ شعوبهم والعالم، حقّقوا ذلك بالأيديولوجيا، والتي هي منظومة الأفكار المطروحة، ولم يحقّقوها بمواصفاتهم الشخصيّة فقط، على أهميّة توفّر الصفات الشخصيّة الجاذبة، والمقْنِعة، والمتجسّدة في سلوك نظيف، أمين، وحرص على حمل الأمانة، وجمال الطّلْعة، جمالُ الطلعة، ولفت الانتباه يمكن أن نجد العشرات ممّن تتوفّر فيهم هذه المواصفات، ولكنّ الأيديولوجيا التي يحملونها قد لا تساوي قشرة بصل تالفة.
إنّ الأيديولوجيا الإنسانية الناصعة التي تنشد العدل، واحترام الحريات، وتكافح الغش، والاستئثار، والفساد بأشكاله هي التي يستجيب إليها الناس، وقولي هذا لا يُلغي، ولا يتعارض مع الكاريزما الضروريّة لمن يتصدّى للقيادة.
****
لا أشعر بالحرج إذا ما قلت أنني كنتُ فرحاً بمشاهدة قاعة تعجّ بالحاخامات اليهود في أمريكا، ذات مُشاهدَة- وهم يستنكرون ما أقدمت عليه إسرائيل وواشنطن من إعلان ضمّ الجولان للصهاينة، وهذا يُعيدنا إلى المقولة القديمة القائلة بالتفريق بين “الصهيونيّة” كحركة سياسيّة، استئصاليّة، استيطانيّة، وبين “اليهوديّة” كدين، أعرف أنّي لا آتي بجديد هنا بل أذكّر به، لاسيّما وأنّ معركتنا أصبحت مركّبة تركيبا عجيبا غريبا، لاسيّما بعد أن تهافت العديد من حكّام العرب لاسترضاء نتنياهو، انصياعا للرغبة الأمريكيّة ممثّلة بترامب.
تعلمون أنّ عددا من اليهود البارزين في العالم قد وقفوا ضد “الصهيونيّة” التي ذكرْنا، وأن يأتي في هذا الزمن الذي يُطأطئ فيه الكثيرون رؤوسهم من (حكّام العرب)، في هذا الزمن يأتي اجتماع الحاخامات في أمريكا ليفضح مدى رُخص هؤلاء الإمّعات، ومدى خَرَعهم، ومدى أنّهم ليسوا أكثر من دمى تجلس على الكراسي الرفيعة، وهذا يستحضر إلى الذاكرة كلّ الذين وقفوا مع الحقّ العربي في فلسطين، ويستمرّون في دعمها، وإنْ كلّفهم ذلك أكلافا باهظة من الضرر الذي لحق بهم بسبب ذلك الموقف.
موقف ينصاع ذليلا ويقدّم المال للأمريكان، غير عابئ بقيم الوطنيّة، والشرف والرجولة، وموقف يتحمّل الأكلاف القاسية للدفاع عن حقّ أمتنا في فلسطين، هل يحتاج المرء إلى إيضاح أكبر؟!…

aaalnaem@gmail.com