أخبارصحيفة البعث

ربّ ضارة نافعة

د. علي دياب

لم يفاجئنا الرئيس الأمريكي دونالد ترامب منذ أيام بما أعلن عنه وما سمّي بـ “صفقة القرن”، وهذه الصفقة – الصهيونية بامتياز – تنسجم كمفردة وشخصية المذكور، كونه تاجراً ومغامراً ومعتاداً على عقد العديد من الصفقات، إلّا أن صفقته هذه ليست من ملكه الشخصي؛ ولا تتعلق بثروته، واستثمارها! وإنما تضيّع حقاً تاريخياً لشعب عربي موجود في التاريخ، فتصرف ترامب ضارباً عرض الحائط قرارات الشرعية الدولية، والقيم الإنسانية، والحقوق المشروعة لشعب.. حقاً إنها عربدة سياسية مقيتة ما بعدها عربدة، وهنا على العرب ألّا يكتفوا بوصف تصرفات ترامب بالحماقة، وإنما اتخاذ السياسات التي تؤدي إلى ردعها، وجعله يفكر ملياً قبل الإقدام عليها، وما يؤسف له أن الإعلان عن هذه الصفقة في واشنطن، وبحضور النتن ياهو، ترافق مع حضور ممثلين عن بعض الأنظمة العربية، ورغم أن الحضور لم يتعد الثلاثة، إلّا أنه ينال من كرامة أي عربي، ولا ندري هؤلاء الذي حضروا، أو الذين لم يحضروا، ولكنهم أعطوا موافقتهم بطريقة أو أخرى.. ألم يسمع هؤلاء ما صرّح به النتن ياهو منذ فترة وجيزة أن هدفه التغلّب على إيران كما تغلّب على القومية العربية!! هل يتصور هؤلاء أن موقفهم هذا، وعدهم الكيان الصهيوني حليفاً لهم، والعدو هو إيران كما يوهمهم النتن، سيحصّنهم ويبقيهم على كراسيهم؟.. على العكس فهذا سيعجل بنهايتهم.
إنني أرى أن هذه الصفقة الخرقاء، التي تمس كل عربي، إن كان فلسطينياً أو غير فلسطيني، صفعة مؤلمة للعرب، وبتقديري هي ستنبه الجميع إلى ما يترتب عليهم فعله، ولا سيما لجهة التخلص من  اتفاق أوسلو الذي أثيرت تساؤلات عدة حول غموضه وتنازله المفرط للعدو، وهو الذي قال فيه القائد المؤسس، الرئيس حافظ الأسد: إن كل مادة فيه تحتاج إلى اتفاق.
اليوم، وبعد مضي هذه الفترة، ألم يتبيّن للموقّعين على الاتفاق أن الكيان الصهيوني لا يريد سلاماً؟ وهناك مسلّمات في هذا العالم لا يمكن القفز فوقها، فالمحتل لا يفاوض لأنه لن يقدّم أي تنازل، طالما أنه قوي، فهو الذي اغتصب الحق، واحتل الأرض، وشرّد الأهل، وقتل وقمع، ومخططه هو هو إلغاء فلسطين من على الخارطة، وما قبوله اليوم بهذه السرقة الموصوفة إلّا تكتيكاً والتفافاً وقضماً لكل شبر من الأرض العربية، وبالتالي فإنها فرصة تاريخية، ونأمل ألّا يضيّعها شعبنا العربي الفلسطيني وقياداته أولاً، ومن ثم شعبنا العربي من المحيط إلى الخليج، والضغط على الأنظمة المتواطئة، ففلسطين هي القضية المركزية للأمة العربية، وهذا ما أقرته الأنظمة نفسها القائمة حالياً، وفلسطين في قلب كل عربي، بل وهي بوصلة أحرار العالم، فعلينا أن نغتنم هذه الفرصة، فليس أمامنا إلّا مقاومة هذا المحتل، والانسحاب من كل الاتفاقيات الموقّعة معه، أوسلو وغيره، والتصدي له ولصلف ترامب، واللوبي الصهيوني المهيمن في الولايات المتحدة الأمريكية، فبالمقاومة يتم إنهاك قوة المحتل، وتقطيع أوصاله. وقضية فلسطين قضية الأمة العربية، فإذا لم نستطع تحريرها اليوم، فأجيال المستقبل كفيلة بتحريرها، ولا يمكن أن تنسى الدماء التي سالت من أجل فلسطين، ولا أرواح الشهداء التي قضت من أجل فلسطين، وعلينا التمسك بالحق الساطع، وألّا نقبل بالفتات، وألّا نعيش أذلّاء، وتجارب التاريخ القريبة والبعيدة تؤكد أن الحقوق لابد وأن تعود لأهلها، ويجب أن يبقى هدفنا تحرير فلسطين كل فلسطين، وهذا العدو المجرم المغرق في وحشيته، لا شيء يضع حداً له إلا التصدي له، وإشعال الانتفاضة تلو الانتفاضة، والتمسك بالأرض. وفي النهاية سيكون الانتصار، طال الزمن أم قصر، والدعم الأمريكي وعنجهية ترامب لا يمكن أن تطمس الحق طالما أهله يطالبون به، ويستشهدون من أجله، ولا شك أن شعبنا العربي في جميع أقطاره سيدعم الصمود الفلسطيني، وسيتحرك أيضاً، وقد بات مقتنعاً أن بيانات الشجب والاستنكار لم تعد تجدي نفعاً، وها هو محور المقاومة، الذي يعد قطرنا العربي السوري قطب رحاه، يقدّم الغالي والرخيص، ولا يمكن أن تكون فلسطين إلّا في القلب، وهدف تحريرها قائم، كما هو هدف تحرير الجولان العربي السوري المحتل، أو أي جزء من الأرض العربية على امتداد ساحة وطننا العربي الكبير.
وكما حازت شعوب كثيرة على استقلالها وتحررها من المستعمر الذي جثم على صدورها، لا بد وأن تتحرر فلسطين، وتعود سيدة في محيطها العربي، وتسهم بدورها الريادي في صنع مستقبل الأمة العربية.