لا تنم عن ضعف الاقتصاد بل تعزز توظيف السيولة المتراكمة سندات الخزينة خيار لرفد الشق الاستثماري الحكومي وتحسين مستوى الأداء المصرفي
طالما تردد في أوساط الاقتصاديين خلال الأزمة ضرورة طرح أوراق مالية جديدة من شأنها خلق قنوات تمويل حكومي لإنعاش الاقتصاد الوطني والسيطرة على سعر الصرف ومحاربة التضخم، ولكنه وبعدما خطت وزارة المالية بهذا الاتجاه وأعلنت نتائج مزادها أمس الأول بفوز سبعة مصارف عامة وخاصة في المزاد وبلغت القيمة الإجمالية للسندات نحو148.5 مليار ليرة، تباينت الآراء وذهب البعض إلى ربط هذه الخطوة بضعف الاقتصاد خلال المرحلة الراهنة ومحاولة الحكومة الاستفادة من مدخرات المصارف في دعم الإنفاق الحكومي، وبالتالي تبدو ملامح هذه الخطوة غير واضحة ويشوبها بعض التشويه، فهل هيأت وزارة المالية ومن ورائها الحكومة، الآلية السليمة لاستخدامها وتخطط لبدء مرحلة مدروسة نشهد معها نهوضاً اقتصادياً سريعاً..؟!
يحق لها..
استهجن وزير المالية الدكتور مأمون حمدان ارتباط طرح الأوراق المالية بضعف الاقتصاد، مدللاً بحديثه عن وجود الكثير من الدول التي تعتمد على طرح الأوراق المالية في كلتا حالتي الحرب والسلم وتطرح مختلف الأوراق كسندات والأذونات والصكوك المالية، ويأتي طرح وزارة المالية لهذه السندات بعد عزوف رجال الأعمال عن الاستفادة من الأموال في المصارف العامة والخاصة، ما أدى إلى تراكم سيولة عالية، وبالتالي يحق للحكومة استثمارها لتحريك السيولة النقدية باتجاه الاستثمار وزيادة الإنتاجية في هذه المرحلة لرفد الاقتصاد وإنعاش مسيرته والاستفادة من آثارها الإيجابية في الحد من التضخم وضبط السيولة النقدية في الأسواق وسعر الصرف سيما وأنه تم استلام جملة من المشاريع الاستثمارية العائدة لبعض الجهات العامة لتمويلها وتطويرها، لافتاً إلى إمكانية طرح المزيد من الأوراق المالية في الفترة القادمة.
الاستثمار أولاً
وفي محاولة لتوضيح مزاياها وأثارها الإيجابية، بين مدير الأوراق المالية في وزارة المالية أنس علي أن المرسوم رقم 60 لعام 2007 سمح بإصدار أربعة أنواع عريضة من الأوراق المالية الحكومية منها الأوذنات التي تتمتع بسيولة عالية وتكون مدتها قصيرة الأجل تتراوح بين ثلاثة أشهر وصولاً إلى العام، يليها السندات التي تمتد من عام واحد لغاية ثلاثين عام، ثم الصكوك المالية الإسلامية، والأخيرة هي “المشتقات” والتي تعرف بأوراق مالية تشتق قيمتها من الأصل، وأكد علي أن البداية كانت بالأوذنات والسندات سيما وأن السندات ستطرح لتمول المشاريع الاستثمارية طويلة الأجل التي تلبيها أوراق مالية طويلة الأجل، مبيناً أنه لو كان الخيار حساب جاري كان التوجه الأفضل إلى أذونات الخزينة.
تطوير إداري
وبين علي أن الفائدة المرجوة من السندات تطال السياسة المالية والنقدية والقطاع المصرفي والاقتصاد الكلي بشكل عام، ويمتد أثرها للمواطنين في حال اعتماد الاكتتاب للمواطنين، وتعتبر السندات من أدوات التمويل لدى وزارة المالية تلجأ إليها في حال كان الإنفاق أعلى من الإيرادات التي تشكل القناة الأساسية لتمويل الإنفاق الحكومي، وتم توجيه السندات إلى المصارف بشقيها العام والخاص كونها تمتلك سيولة مالية نقدية للحصول على قناة تمويل وبما أن السندات ذات تكلفة واضحة فبالتالي لها أثر تطويري على إدارة الدين العام، كما أشار علي إلى أن توجيه السندات لتمويل المشاريع الاستثمارية يساهم في أن يكون الإنفاق الحكومي ذو عائد اقتصادي عالي.
جدوى أكبر
وباعتبار أن وظائف السياسة النقدية ضبط السيولة في الأسواق، فإن طرح أوراق مالية يساهم في جمع هذه السيولة كشهادات الإيداع التي طرحها المركزي ولكن شهادات الإيداع تطرح للحد من التضخم وبالتالي تبقى هذه السيولة دون توظيف، لذلك يمكن اعتبار أن السندات ذات جدوى أكبر كونها تستهدف البعد النقدي والمالي عبر إدارتها للمعروض النقدي وتوظيفه بالاستثمار، ولاشك أن الاستثمار يؤهل بنى تحتية وإنشاء مشاريع خدمية وإنتاجية تؤمن للمواطن تخفيض إنفاقه على المستوى الخدمي، وعلى المستوى الإنتاجي بزيادة الإنتاج المحلي والسلع التي ترفع مستوى الإنتاجية وتخفض معدلات البطالة، ولفت إلى أثره الإيجابي على الميزان التجاري في حال كانت المنتجات ذات جودة عالية واتجهت إما إلى التصدير أو التقليل من المستوردات، وبالتالي فإن السندات ستؤثر بشكل متتالي على سعر الصرف والتضخم ويحسن من قيمة الليرة السورية.
رفع كفاءتها
كما يسهم طرح السندات من رفع كفاءة المصارف على أداء دورها الفعال في الاقتصاد من خلال إدارة سيولتهم بفاعلية وكفاءة أكبر، حيث تقلل اقتراض الدولة من المصارف بشكل مباشر بما يحقق نمو للقطاع المصرفي ويتاح له الاستفادة من إيراداته في مجالات أخرى أكثر فائدة، وبين علي أن لها دوراً في رفع القدرة التنافسية لدى المصارف لجهة قبول ودائع جديدة واستثمارها وتحقيق عوائد جيدة لاسيما أن الأوراق المالية الحكومية مضمونة من قبل الدولة ومخاطرها أقل، كما توفر بديلاً للإيداع بالعملة الأجنبية كونها استثماراً بالليرة السورية وتخلو من مخاطر تقلبات سعر الصرف ومخاطر الائتمان، ولابد من الإشارة هنا إلى مفصلية في غاية الأهمية بحسب علي كونها تعتبر عائداً تأشيرياًً خالياً من المخاطر لاعتماده على دراسة حقيقية لاقتصاد السوق يمكن استخدامها كمؤشر لتسعير كافة الأصول المالية ويضمن التسعير السليم للمخاطر المالية بتوجيه المدخرات نحو الاستثمارات الأكثر إنتاجية للاقتصاد، وتسهم في تقوية استقلالية المصرف المركزي ومساعدته على تطوير سياسته بصورة ترتكز أساساً على تنفيذ أفضل لسيولته.
فاتن شنان