المســرح تجربة شــخصية وقضية عامة
في الحلقة الثانية من “مدانا مسرح” الذي يقدمه مشروع مدى الثقافي بالتعاون مع مديرية ثقافة حمص، استضاف الكاتب والمخرج المسرحي فرحان بلبل، والناقد أنور محمد ضمن ندوة بعنوان “المسرح تجربة شخصية -قضية عامة، تناولت تجربة فرحان بلبل من الزاوية الشخصية والنقدية، وهي تجربة امتدت إلى نحو خمسين عاما اشتغل فيها كاتبا ومخرجا وناقدا ومديرا للفرقة، على مدارس فنية متعددة، كان الهم الوطني المحلي ركيزتها الأساسية.
تحدث المسرحي بلبل عن تجربته في المجالات الأربعة وبدأ بتجربته ككاتب التي بدأت مع مسرحية “الجدران القرمزية “التي قدمت عام ١٩٦٩ مع المخرج الراحل محمود حمودي، وأقيمت حولها خمس ندوات في حمص، وقد تناول فيها الهم الفلسطيني وفضح بعض الممارسات الاستغلالية التي مارسها بعض الفلسطينيين بحق إخوانهم، أحدثت تلك المسرحية شجارا كاد يتحول إلى عراك مسلح في المخيم الفلسطيني بحمص ذلك الوقت، لذلك يعتبر بلبل أنها المسرحية التي وضعته على الطريق الصحيح في الاهتمام بالشأن المحلي والعربي، لأن أفضل المسرحيين في العالم هم الذين اهتموا بشؤون بلادهم، منطلقا من مقولة: المحلية هي الطريق نحو العالمية.
ومن خلال تجربته يرى بلبل إن المسرحيين العرب ثرثارون مهدارون، يسترسلون بالحوار، فهو يحرص على حذف كل ما هو زائد في الحوار، ليبني النص وفق أسس درامية متينة.
وعن تجربته كمخرج رأى أن مقتل أي مخرج هو محاولته إبراز نفسه كمخرج،دون الاهتمام بالمتفرج،يجب أن يسأل المخرج نفسه اولا:هل سيقبل المتفرج العرض ويفتتن به.
أما السينوغرافيا فهي ضرورية ويجب أن تلعب دورا دراميا حساسا،وحيويا،لكن الأهم هو الممثل، وتعلق المتفرج بانفعاله .سر المسرح ،برأي بلبل، يكمن في الايحاء المحلي الذي يقارب البيئة.
وبالنسبة الى تجربته كناقد،فإن بلبل ينطلق في كتاباته وارائه النقدية من قانون الاحتمالات،أي أن المخرج يقرأ النص وفق تفسيره الخاص الذي يبني عليه العرض،وعلى الناقد النظر الى الاحتمال الذي اختاره المخرج والبناء عليه من الداخل ،دون وضع تفسير خاص لنص يخرجه شخص مختلف.
وتحدث بلبل عن تجربته كمدير لفرقة مسرحية،حيث أسس مع مجموعة من عشاق المسرح العمالي فرقة استمرت أربعين عاما، وقدمت عروضا من عام ١٩٧٣وحتى٢٠١١بلا أجر، والمكافآت التي كانت تمنح لهم يتم توزيعها بينهم بالتساوي ،لذلك لم يشب العلاقة بين أعضائها أي خلاف.
جابت الفرقة البلاد من شرقها إلى غربها، ومن جنوبها إلى شمالها، ووصلت إلى مناطق لا يخطر على بال احد أن تصل فرقة مسرحية إليها، فقد غيرنا أفكار الكثير من الناس عن المسرح،واستمر هذا الحال حتى عام ٢٠١١.
الناقد أنور محمد قدم رؤية نقدية لمسرح فرحان بلبل، انطلق فيها من حالة الجدل التي أحدثها في المسرح، والقيم الاجتماعية التي أسس عليها عمارته المسرحية، فهو إذا لم يقض على الفساد فإنه يزحزحه.
يكتب بلبل مسرحياته ويخرجها لأنه يريد أن ينطق الجسد بصفته جسد معرفة ووجود. الإخراج عنده امتداد للنص، هو الروح تحتفل بجسدها على خشبة المسرح التي هي بالنسبة إليه لتكريم العقل الإنساني وتحريكه ليشتغل، فلا رؤية أحادية ولا سلطة مطلقة، لأن مسرحه منجز ثقافي ينشد العدالة الإنسانية، ويعطي السيادة في الاعتقاد.
في مسرحيته”الممثلون يتراشقون الحجارة” التي توقف عندها أنور طويلا، يرى أن بلبل قدم بحثا سوسيولوجيا دفع عبد المطلب لتغيير موقفه ومقولته التاريخية “الإبل لي، والكعبة لها رب يحميها” فيدافع عن الكعبة، وعن الغريزة المجتمعية، وهذا تحريك لساكن لأننا مانزال نعيش كبتا مجتمعيا منذ ذلك الغزو وحتى الآن.
فرحان بلبل في مسرحه هو ضد التخيير بين “أم-أو” وهو مع تعدد أساليب النظر والبحث، بل هو إن جفت المنابع الفكرية، فمع الأخذ بنظرية الإبداع كونها تحمل في بذورها حلا منطقيا لتفسير المسائل المختلف عليها في المسرح وإن كان من أقنعة فهو ليس زينة وترياقا لأولئك الفاسدين الذين يحتمون ويدّعون الشرف والوطنية.
فرحان لا يروج للاستسلام، فالصراع في مسرحياته اجتماعي حتى ولو تأسست على أحداث تاريخية وسياسية، كما في “الممثلون يتراشقون الحجارة” لأنه في تراجيدياته سيذهب إلى صراع تصطدم فيه المبادئ، ففي آخر مسرحياته التي كتبها ويقوم الآن بإخراجها يتابع صداما حول حرب السنوات الماضية، يقدم فيها رؤيته كمثقف فيكسر نواة الاستبداد بأسئلة الوعي كما فعل أبطال الطرواديات.
آصف إبراهيم