ثقافةصحيفة البعث

أكسم طلاع: أنا ابن لغتي وأقدم هويتي بلغة معاصرة

الحرف جزء من لوحته للتعريف عن معناه البصري بالشكل وليس المدلول، وفي معرضه الحالي المقام في غاليري جورج كامل ركز على أن تحتل اللوحة الكبيرة جداراً كاملاً في الغاليري، لتمنح جدارياته متعة كبيرة للنظر تحمل في داخلها موسيقا وموشحات وصوفية لتعطي انطباعاً للمتلقي أن العمل مستمر وغير منتهي أبداً.

هو معرضه التاسع في مسيرته الفنية، واليوم بين تضاد الألوان وتكويناته الحروفية يقدم الفنان أكسم طلاع معرضه –المستمر لغاية 27 شباط- كاشفاً من خلال لوحاته الاثنتي عشرة همومه اليومية بكثافة تشكيلية جميلة ومصفوفات حروفية وتدفق وانسياب ألوان خيالية.
تخطى الفنان طلاع في معرضه –الذي لم يختر له عنواناً- حدود اللوحة الحروفية وجمعها مع التشكيلية، واعتمد على هوية معينة هي الهوية العربية، وبالتأكيد عندما يكون الحرف العربي هو الأساس فلا خوف على الهوية من الضياع، وفي الوقت ذاته لم يقدم لوحة بقدر ما عبر عن أحداث عديدة في لوحة واحدة، وترك المتلقي أمام حالة مواجهة مع هذه اللوحات، وحالة هجومية أيضاً لاستحواذ عينه ما بين فراغها الملون بألوان مختلفة -وهذه إضافة تحسب للفنان- والعاصفة من التعبير والتشكيل التي تتحرك داخل عوالم الفنان محاولاً التخلص منها عبر هذه الانفجارات والضغوط وقذفها داخل اللوحة، والجميل أنه جعل الآخر شريكاً في هذه المعاناة التعبيرية، وشريكاً بهذا الانفعال التشكيلي الذي قوامه الحرف.
كل لوحة من لوحات المعرض تقود المتلقي إلى مكان ما وزمان ما، فهناك دائماً عناق بين المكان والزمان فضلاً عن انبثاق تشكيلات للطبيعة طير أو شجرة، وبين حنايا الألوان وعطفات الحروف زرعٌ وبناء يوحي للمتلقي أنه أمام سنديانة مزروعة بالحروف أو قلعة مشيدة بالخطوط، وعن المعرض قال الفنان أكسم طلاع:
أعمل باحثاً عن معانيّ الخاصة، فأنا ابن لغتي وأقدم هويتي بلغة معاصرة استكشف وأعزز وجودي من خلالها في زمن ضاعت فيه الهويات. أذهب في لوحتي إلى مغامرة تنتهي إلى السلم والطمأنينة التي أحتاج، ربما تكون سيرة الفنان هي سيرة كل لوحة مفردة حيث الفضاء الرحب للحرية والبحث عن تأويل يجعل من الحياة شيئاً ممكناً ولو إلى حين.
قد يكون الشعر هو مفتاح الولوج إلى اللغة البعيدة حيث الصورة والموسيقا، هناك المرايا الصقيلة للروح والعذوبة التي تنبجس عن مشاهد تؤلفها حواس متداخلة يحملها اللون والخط والذاكرة التي تستقر على السطح الأبيض في حيز من أمكنة نعيش فيها مع ناس نعرفهم ونحب ما تركوا لنا من ذكريات وقصص، هذا المكان الذي لا أغادره هو ساحة الطفولة وسبورة الصف وعتبة البيت وصوت الأم وحركة الستائر المعلقة أو لهاث الغسيل في الهواء الرطب، ربما كانت الحروف التي أرسمها معلقة على نفس هذا الخط من الزمن الذي عشت وما زلت أبحث فيه عن ألفة أفتقدها، وما اللوحة إن لم تكن من روح أليفة تحيلنا بجمالها إلى الجلال، وعلى سطوح الأعمال يوجد تهشيرات ومعناها “الأثر المتروك في العمل خلال زمن ما” غني بأحداثه ومؤثر لم يكن زمناً فقط، بل تحول إلى تاريخ، فالفن ليس تعبيراً مباشراً، إنما هو الذي يظهر لاحقاً ويبقى دون أن يزول.
جُمان بركات