ثقافةصحيفة البعث

مصر تدق ناقوس الخطر

 

دقت مصر جرس الإنذار أخيرا، الملحن المصري “حلمي بكر”، يطالب القيادة السياسية في مصر للتدخل بقصد وضع حد لكل السخرية التي تحدث في أم الدنيا من بوابة الغناء الشعبي! ليخرج نقيب المهن الموسيقية الفنان “هاني شاكر”، معلنا عدم إعطاء أي ترخيص لمعظم “مغني” ما يسمى زورا اليوم بـ: “الفن الشعبي”، وذلك لمزاولة الفضائح والجرائم التي تُرتكب تحت هذا المسمى، من قبل العديد من الأسماء التي تتصدر اليوم الواجهة الغنائية الفنية لمصر “ست الدنيا” للأسف.
الشرارة التي انطلقت بعد ما احدثته واحدة من الأغاني الأكثر شعبية بين الجمهور المصري–حسب غوغل وأخواته-وهي اغنية “بنت الجيران”، فتحت هذا الملف على مصراعيه، وجرس الإنذار الذي توجب أن يُضرب منذ بداية ثمانينيات القرن الماضي، يُضرب الآن بعد فوات الأوان، فالأغنية المكتظة بالإيحاءات الجنسية الفاضحة، والتي تروج “للخمور والحشيش”، صارت في المدارس! وحدث أن ظهر مقطع فيديو على اليوتيوب، يصور للأغنية تصدح في أركان مؤسسة التربوية علمية، بوجود كادرها التربوي والتدريسي مع الطلاب! الذين بدأوا بالرقص على لحنها وإيقاعها جنبا إلى جنب مع أساتذتهم!
“بكر” وفي لقاء متلفز، قام بتحليل فني كاف وواف لما يحصل الآن من نتائج بائسة تحصدها أرض الكنانة، بعد اتفاقية الشؤم “كامب ديفيد” 1979، مُعيدا السبب إلى ما جاء من “فنون”، اكتسحت بلاده، بعد أن تصدر المشهد الغنائي المصري، العديد من الأسماء التي أطلقت ما يُسمى بـ: “الأغنية الشبابية”، وهؤلاء هم البوابة الفعلية التي دخل منها كل هذا التردي الفني في مصر الشقيقة، حتى وصلت الأمور بعد تفاقمها إلى ما وصلت عليه.
في خطة عرضها أحد قادة جهاز الموساد الصهيوني مطلع ثمانينيات القرن الماضي، أي بعد توقيع تلك الاتفاقية المسمومة، أوصى فيها بالعمل على ضرب مفهوم الثقافة الشعبية، فهي صاحبة الخطر الحقيقي على الكيان الصهيوني، وغير خاف على أحد ما قام به حينها “السادات” من شرعنة خطيرة للمخدرات التي غزت الشارع المصري بما تعنيه الكلمة من معنى، وصارت تُباع على الأرصفة علنا، وماذا يمكن لأمر جلل كهذا أن يكون وقعه في النفوس؟ بدأت حينها موجة تقليد رهيبة للغرب في أحطّ مواضيعه شكلا ومضمونا، والإدمان لم يعد مقتصرا على تلك الممنوعات، بل طار وحط في الأغاني، تلك التي شكلت وجدان الجمهور المصري والعربي على حد سواء في يوم مضى، وليختفي الفن الشعبي المصري الحقيقي الذي كان قائما على عمالقة هذا الفن “كارم محمود، محمد العزبي، محمد رشدي” وغيرهم، بعد أن صارت الحاجة ملحة لملء الهوة الثقافية الفنية الكبيرة، التي كانت من أعتى نتائج تلك الاتفاقية وعلى مستويات عدة.
مصر تعاني ليس من البارحة أو منذ عام، بل منذ بداية موجة الانحطاط هذه، التي جعلت الناس تترحم على من سرت كالنار في الهشيم على أيديهم، أمثال “عمرو دياب، مصطفى قمر، وغيرهم”، بعد أن وصل الحال إلى “بيكا وشاكوش”! وعندما تعاني مصر، فلا ريب سيعاني كل العرب، وهذا الحاصل من أسف.
تمّام علي بركات