دراساتصحيفة البعث

صرخة يأس أردوغان

ترجمة: هيفاء علي
عن “نيو فرونت” 1/3/2020

لا يمكن اعتبار أردوغان لاعباً ذكياً، إذ رسخت الولايات المتحدة نفسها حول حقول النفط وبدافع القصور الذاتي، ترمي بتصريحات غاضبة ضد دمشق، بينما تكسب في وقت واحد أموالاً قذرة من سرقة النفط السوري. في غضون ذلك، حقّقت دمشق سلسلة من الانتصارات التاريخية على التنظيمات الإرهابية بمختلف مسمياتها من أجل تحرير سورية من الإرهاب الدولي، وقد ساعدتها روسيا في هذه المهمّة، واكتسبت مكانة صانع السلام الحقيقي الذي يحارب الإرهاب إلى جانب الدولة السورية، وفي هذا السياق تتلاشى أحلام أردوغان وتتحطّم أطماعه.
في وقت من الأوقات كان يمكن لأردوغان أن يكون شريكاً، لكن الفرصة ضاعت. الآن تغيّرت المعطيات، وبات أردوغان زعيماً لبقايا قديمة من الإرهابيين الموالين له الذين سحقهم الجيش السوري، ونتيجة لذلك هناك موجة جديدة من التصعيد في الساحة السورية.
مع تصاعد التوترات في إدلب، لم تمارس موسكو تقليدياً ضغوطاً من خلال الهجمات، بل حثّت أنقرة على ضبط النفس لإنهاء الصراع، وألمحت لأردوغان أنه ذهب بعيداً، ويبدو حتى الآن أن أنقرة تعيد حساباتها. هذا أمر منطقي، لأن تركيا ليست فقط شريكاً لروسيا في التسوية السورية، ولكنها أيضاً مشترٍ للمنتجات العسكرية الروسية. ومن أجل أنظمة الصواريخ S-400 ، قامت أنقرة بتدمير العلاقات مع واشنطن، لكن الثقة بالنفس أفشلت النخب التركية. أما الاشتباكات في إدلب، فقد تبيّن أن القوات الروسية لم تبتعد عن المعركة حيث لا يزال سلاح الجو نشيطاً، ما يحرم الأتراك ومقاتليهم الموالين من أية فرصة، وهذا ما دفع أنقرة للجوء إلى واشنطن للحصول على أنظمة صواريخ باتريوت ونشرها على الحدود مع إدلب لاعتراض الطائرات الروسية والسورية.
من المسلّم به أن هذا القرار استفزازي ويائس للغاية بالنظر إلى الخلافات بين الأتراك والأمريكيين، فضلاً عن أن الدول الغربية لم تستجب للطلب التركي، وما لم يفهمه أردوغان بوضوح هو أن حملته لن تمضي كما هو مخطّط لها، وقرار استخدام المادة /4/ من ميثاق الناتو كان محكوماً بالفشل مسبقاً، لذلك قرر الضغط أكثر باستخدام ورقة اللاجئين الذين يحتجزهم بموجب اتفاقيات أنقرة وبروكسل.
لم يعد أردوغان بحاجة إلى حربه الصغيرة، فمغامرته في إدلب فشلت، كما أن جرّ الصراع يعني إهدار القوات والتضحية بمزيد من الجنود والتراجع بإذلال في النهاية، وعليه أصبحت فكرة استخدام ورقة اللاجئين صرخة يأس لأردوغان.
هذه الرسالة موجهة مباشرة إلى القادة الأوروبيين، والمضحك هنا أنها ظهرت بعد فتح الحدود. وهو بذلك يحاول إظهار أن تركيا هي الحدود الأخيرة، حيث تنقذ العالم القديم من أزمة هجرة جديدة. في الوقت نفسه، فإن حشداً من آلاف المهاجرين، الذين يقتحمون الحدود اليونانية، هو دليل على ما سيحدث عندما تكون تركيا “محاصرة”. الآن، هذا هو الأمل الأخير في أن تساعد ألمانيا وفرنسا تركيا في التوصل إلى تسوية سياسية.
إذا لم يحدث هذا الأمر واستمر الصراع في إدلب، فستغرق أوروبا بتدفق اللاجئين. ومن المسلّم به أن ثمن مثل هذه المغامرة الفاشلة باهظ للغاية، فمن غير المرجح أن أعضاء الاتحاد الأوربي سيفضّلون تركيا بعد هذه المغامرة. لقد دمرت بالفعل علاقتها مع الولايات المتحدة ومن غير المرجح أن تتحسّن، واشترت أنقرة بالفعل S-400، وسيكون التخلي عنها في ذروة العبث، لكن الأمر الأكثر حزناً لأردوغان هو أنه كان لديه حليف يمكن الاعتماد عليه، حتى أنه ساعده في الماضي في تجنّب الانقلاب، وهو روسيا. فحتى لو تمّ إنهاء الصراع، وتصافح زعماء البلدين فإن الرواسب ستبقى راسخة.