بعد قيادته للفرقة الوطنية السورية للموسيقا العربية أندريه الحاج: الموسيقيون السوريون أوصلوا الموسيقا العربية للغرب بأحلى صورها
وصف المايسترو اللبناني أندريه الحاج قائد الأوركسترا الوطنية اللبنانية للموسيقى الشرق-عربية وصف قيادته لأوركسترا الفرقة الوطنية السورية للموسيقى العربية والتي قادها مؤخراً في دار الأوبرا للمرة الثانية بالتجربة الرائعة، معبراً في حوار كانت البعث قد أجرته معه عن سعادته لكونه أول قائد أوركسترا عربياً يقود الفرقة الوطنية السورية للموسيقا العربية لتكون بذلك ثاني تجربة عربية له بعد قيادته لأوركسترا عُمان العام الماضي، مبيناً أن الفرقة الوطنية السورية سبق أن استضافته بمشاركة المغنية اللبنانية كارلا رميا العام الماضي بعد ما يقارب خمس أمسيات موسيقية قاد خلالها المايسترو عدنان فتح الله الفرقة الوطنية اللبنانية مقدماً من خلالها موسيقا سورية تعكس صورة وطنه وهي من روح الأعمال الموسيقية السورية ليكون بذلك أول قائد فرقة سوري يقود أوركسترا الفرقة الوطنية اللبنانية.
التحدي بالموسيقا
ويشير الحاج إلى أنه قدم في المرة الأولى لقيادته للأوركسترا السورية أمسية لبنانية صرفة لم تكن غريبة على الجمهور السوري المعتاد على سماع فيروز ووديع الصافي ونصري شمس الدين إلى جانب عملين موسيقيين له، وقد أسعده أن التجاوب من قبل الجمهور السوري كان رائعاً، وهذا ما شجعه على قيادة الأوركسترا بمشاركة سمية بعلبكي مرة ثانية والتي بدأها بتحية للشام من خلال قصيدة “يا شآم” التي بدأت بعلبكي بها الأمسية إلى جانب تقديمه تشكيلة من الأغاني العربية التي استعرض من خلالها الآلات الموسيقية في الأوركسترا، مبيناً أنه لم يقدم في هذا الحفل أي عمل له لأن هدفه لم يكن استعراض أعماله بل الحضور لدمشق بهدف اللقاء والتواصل والتأكيد على أن دار الأوبرا لم تتوقف عن تقديم الحفلات طيلة فترة الحرب، فكانت تقاوم وتتحدى بالموسيقا لتكريس ثقافة الحياة، وهذا ما قام به الموسيقيون السوريون خلال السنوات الماضية، مؤكداً أنه سعيد بهذا التعاون مع المايسترو عدنان فتح الله، ورأى أن التعاون بين الأوركسترات العربية أمر هام يهدف إلى تجديدها بين وقت وآخر لأن الاكتفاء بمايسترو واحد بشكل دائم يضعفها، منوهاً إلى أن هذا الأمر تقليد قديم موجود في الغرب، وهذا ما أراد نقله الحاج الذي درس الموسيقا الغربية واستفاد منها بأمور كثيرة وحاول توظيف أجمل ما فيها في آلية عملنا وهو يشبه ما قام به الرحابنة الذين درسوا الهارموني الغربي وقاموا بتوظيفه لخدمة موسيقاهم.. من هنا كانت الدعوة الأولى للمايسترو عدنان فتح الله من سورية البلد الأقرب بكل تفاصيلها للموسيقا اللبنانية، فكان أول ضيف يقود الأوركسترا اللبنانية لتستفيد من خبرته ولإغناء المكتبة الموسيقية اللبنانية والبرنامج الذي تقدمه الأوركسترا.. وللنجاح الكبير للحفل الأول لفتح الله تمت دعوته خمس مرات لقيادة الأوركسترا اللبنانية ليقوم فتح الله بدعوة الحاج العام الماضي لقيادة الأوركسترا الوطنية السورية، مع تأكيد الحاج على أن الموسيقيين السوريين معروفون على صعيد الوطن العربي باحترافهم وانضباطهم وتربيتهم الموسيقية الجدية وأنه لا يوجد صعوبة بالنسبة لأي قائد محترف بقيادة أوركسترا جديدة لأن أي أوركسترا تضم موسيقيين محترفين، وبالتالي فإن كل ما هو مطلوب من القائد التعامل مع الجميع باحتراف واحترام وتواضع.
غياب التأليف الموسيقي
يوضح الحاج أنه يقود الأوركسترا الوطنية اللبنانية منذ العام 2011 وقد استلم إدارتها بعد رحيل المايسترو وليد غلمية الذي يعود الفضل له في تأسيس الكونسرفاتوار اللبناني والأوركسترا الوطنية اللبنانية التي أسهها عام 2000 بهدف تعويد الناس الاستماع للموسيقا في ظل اعتياد الشعوب العربية على سماع الأغاني، مؤكداً الحاج أن غلمية حينها عانى كثيراً في ظل غياب التأليف الموسيقي، فكان ينحت في الصخر لأن الموسيقيين في الستينيات أغراهم المسرح الغنائي دون الالتفات للموسيقا.. من هنا بذل جهوداً جبارة إلى أن أطلق الأوركسترا اللبنانية في 20 تموز 2000 بعد أن استقطب مجموعة من الموسيقيين النشيطين آنذاك، ومنهم أندريه الحاج الذي استلم قيادتها عام 2012موضحاً أنه تابع مسيرة غلمية وكانت خطته الأولى إقامة حفلات يحيي من خلالها تراث عمالقة الموسيقا عرفاناً لما قدموه، فكانت البداية من خلال الراحل وديع الصافي حيث قدمت الأوركسترا مجموعة من أغنياته بصوت الكورس ومن خلال هذه الأغاني مرر خمس قطع موسيقية بمستوى ما كان يغنى ليفتح الباب لكل المؤلفين والمطربين الذين يشبهون الأوركسترا مثل سمية بعلبكي، جاهدة وهبي، كارلا رميا، عبير نعمة، غادة غانم, أميمة الخليل.. وحتى الآن ما زالت الأوركسترا تعمل بنفس الأسلوب وتحقق النجاح، منوهاً الحاج إلى أنه وفي فترة الحراك في لبنان أعلن عبر الفيسبوك عن موعد قيام حفلة موسيقية احتراماً للوضع العام وكانت برأيه من أمتع الحفلات، وأسعده جداً وجود جمهور جاء لسماع الموسيقا دون إيقاع وهذا لم يحدث في تاريخ الموسيقا العربية المبنية أصلاً على الإيقاع، حيث اعتمد الموسيقيون في هذا الحفل على تفاصيل عملهم وليس على ضابط الإيقاع وكانوا سعداء لأن الموسيقي بغياب المغني والإيقاع يشعر أنه أخذ حقه.
الحفاظ على الموسيقا الصحيحة
ولتقريب الموسيقا للجمهور رأى الحاج أنه لابد من الاعتماد على التأليف الموسيقي الذي لا يمكن أن يزدهر دون تخصيص ميزانية معينة للمؤلفين الموسيقيين بشكل دائم لأن التأليف لا يتحقق إلا بوجود حافز مادي وحفلات دائمة للأوركسترات، لذلك ومن خلال اطلاعه على واقع بعض الأوركسترات العربية يحزنه أن معظمها يفتقر إلى التأليف الموسيقي وكيفية تقديم الآلة الموسيقية، داعياً إلى الاستفادة من تجربة العراقيين على آلة العود التي كانت لفترة طويلة آلة مرافقة للمغنّي فقط، إلى أن تم خرق هذا التقليد من خلال العزف المنفرد بعد أن أصبح لدى العازف العراقي رصيد كبير من المؤلفات.
وعن واقع الموسيقا حالياً يبين الحاج أنه ليس بصدد تقديم المواعظ لأن مهمته تكمن في تقديم الموسيقا التي يعرفها، مع إشارته إلى أنه حتى في زمن الكبار كانت هناك أغنيات هابطة إلا أن أصحابها ما كانوا يخرجون على وسائل الإعلام التي دخلت اليوم بكل أشكالها على كل البيوت.. من هنا فإن المطلوب اليوم برأيه الحفاظ على ما يتم تقديمه من موسيقا صحيحة، مبيناً أنه يعمل ومنذ فترة على تقديم موسيقانا العربية في أوربا بعد أن أصبح الأوربيون جاهزين لاستقبالها بفضل الموسيقيين السوريين الذين هاجروا إليها حيث أوصلوا الموسيقا العربية بأحلى صورها لأن معظمهم أكاديميون ومحافظون على التراث والوجه الكلاسيكي للموسيقا العربية ووصلت الموسيقا العربية بفضلهم إلى الغرب بشكل صحيح وغير مشوّه، وهذا أمر خلق اليوم بيئة وحاضنة واستعداداً للاستماع والتفاعل مع الموسيقا العربية.
موسيقا وبس
يعترف الحاج أن قيادته للأوركسترا الوطنية اللبنانية شغلته كثيراً عن التأليف الموسيقي، وكان آخر عمل موسيقي له بعنوان “منك أنا” وهو الذي سبق وأن ألّف العديد من المقطوعات التي ضمها بألبومين هما: “موسيقا وبس” الصادر سنة 2004 و”الأماكن” الصادر سنة 2009 والذي وقع الاختيار عليه من قبل شركة عالمية لتعيد توزيعه في الأسواق مرة أخرى، مشيراً إلى أنه أسس العديد من الفرق الموسيقية اللبنانية، منها فريق أماكن الموسيقي عام 2003 الذي شارك في العديد من المهرجانات اللبنانية والعالمية، كما عمل على تأسيس أوركسترا الطلاب في جامعة روح القدس عام 2005 وهو حائز على العديد من الجوائز اللبنانية نتيجة عمله على إحياء التراث في لبنان والوطن العربي، وكان من المقرر قيادته للأوركسترا في كييف في شهر أيار لتقديم موسيقا عربية من خلال موسيقيين فيها، وكذلك قيادة الأوركسترا الوطنية التونسية.
أمينة عباس