تحقيقات

في زمن كورونا ..المبادرات الاجتماعية في السويداء خطوة نحو تعزيز التكافل الاجتماعي في مواجهة الوباء

مع كل حالة اختبار لطبيعة مجتمعنا تستنفر جهود أبنائه بطرق وأشكال مختلفة لتعكس طبيعة هذا المجتمع الذي يتسارع نبض حبه لوطنه مع كل بارقة أمل تحملها مبادرة من هنا أو هناك لينتفض من جديد ويعيد نبض الحياة في كل الأرجاء وخير دليل على ذلك المبادرات التي بدأت تنطلق في السويداء والتي صنفت من أهم المبادرات لجهة التوقيت والمضمون حيث ساهمت بتخفيف التوتر الاجتماعي الذي حملته جائحة الكورونا وخاصة أن المبادرات جاءت كمتنفس للتخفيف من الأعباء الاقتصادية الصعبة التي يعيشها المواطن الذي تكالبت عليه الكوارث والأزمات وفي ذات الوقت برزت دعوات لم تخل من السخط على أصحاب “الكروش والقروش” و لاقت تلك المبادرات بخطوات من شأنها التصدي لمفرزات أزمة الكورونا على الأسر السورية .

خبز مجاني
الكثير من المبادرات التي بدأت تظهر في السويداء والتي تمتاز باتساع رقعتها الأفقية والعامودية لتشمل كافة أبناء المجتمع خاصة تلك المبادرات المتعلقة بتوزيع الخبز المجاني للجميع دون تمييز بين غني أو فقير ، كما تم وضع سلة فارغة في معظم المحال في عدد من قرى السويداء كتب عليها (سلة الخير) لوضع ما تيسر فيهاه من خضار وفواكه ومواد غذائية، وسيتم جمع هذه السلال يومياً من قبل الجمعيات الخيرية، وتوزيعها على المحتاجين.
وبادر عدد من أصحاب الشقق المؤجرة وملاكي العقارات بإعفاء المستأجرين من أجرة هذا الشهر والشهر المنصرم، إضافة إلى مبادرة بعض التجار وأصحاب المحال التجارية بإلغاء كل الديون على زبائنهم.
و يقوم أحد المواطنين من مدينة شهبا بإحضار 3 أطنان يومياً من الخضار من دمشق وبيعها لأهالي بلدته ضمن إحدى ساحات المدينة دون تقاضي أرباح، إضافة إلى المبادرات الفنية لتعزيز الوعي العام بإجراءات الوقاية من فيروس كورونا.
وتسهيلاً للمواطنين من أجل الحصول على مادة الخبز يعمل 130 متطوعا، منهم 90 داخل المدينة والبقية موزعون بين منطقتي شهبا والمزرعة ضمن حملة (خليك بالبيت) لتوصيل المادة إلى المنازل بالسعر المعتمد، وخصصت جمعية سواعدنا الخيرية مساعدات مادية لعدد من العمال جراء توقف أعمالهم في هذه الظروف.
وطالب مواطنون باستمرار هذا النوع من المبادرات على جميع الصعد والفعاليات الاقتصادية لإتاحة الفرصة لشريحة كبيرة من المواطنين للاستفادة ولو لمرة واحدة في الحصول على احتياجاتهم، لعل وعسى تسهم مثل هذه الأفكار في تخفيض أسعار عدد من المواد الأساسية .

زرع القيم الاجتماعية
واختلف شكل المبادرات حسب طبيعة القائمين عليها ولم تقتصر على التبرعات المادية بل كان هناك مبادرات من نوع آخر حيث تطوعت مجموعة من الشباب في مدينة السويداء ضمن حملة (نحن لبعض) في تنظيم دور المواطنين لشراء المواد التموينية على البطاقة الإلكترونية من صالات (السورية للتجارة) وذلك منعاً للازدحام والوقوف بشكل عشوائي أمامها وترك مسافة أمان بين المواطنين المتسوّقين، وواصلت الفعاليات الأهلية والشعبية تقديم المساعدات العينية للأسر المحتاجة، حيث قدمت شعبة الهلال الأحمر العربي السوري في بلدة الثعلة بالتعاون مع المجتمع المحلي 60 سلة غذائية مع مجموعة من مواد التعقيم لعدد من الأسر، وتم تعقيم المنطقة المحيطة بالنادي الرياضي، ومبنى البلدية، وفي مدينة شهبا تمت عمليات التعقيم والتنظيف لتشمل سوق المدينة الرئيسي وساحتها العامة و حي المشفى، إضافة إلى حاويات القمامة في مختلف الأحياء.
كما وضع متطوعون كثر من أصحاب الجرارات الزراعية في المحافظة آلياتهم مع المرشّات تحت تصرف المجالس البلدية لدعم حملات التعقيم.
ويبقى لهذه المبادرات أهمية كبيرة على الصعيد النفسي والمعنوي لبناء الثقة بأنفسنا وبمجتمعنا،وتشكل اختبارا حقيقيا لمدى قدرتنا على التعامل مع الكوارث فهي مهمة حسب المرشدة الاجتماعية عهد العماطوري التي قالت :إن مسألة الشعور بالآخرين مسألة وجدانيه وإنسانيه وأخلاقيه وخاصة من كانت حياتهم غير مستقره ويتخللها قساوة الحياة ووجع الأيام وصعوبة العيش مؤكدة أن هذه المبادرات تقرب مسافات الود والمشاعر النبيلة السامية وتقدم الخير والعون لمن يحتاج المساعدة والأمان في وقت انقرضت فيه أغلب هذه القيم وأصبحت كلاما في مهب الريح . و المبادرات الاجتماعية اليوم إنما تدل على القيم النبيلة والأصالة في التعاون وتكاتف الجميع لزرع المحبة في نفوس أبناء المجتمع.
تماسك اجتماعي
من الحملات الهامة التي شهدتها المحافظة حملة (وعيك بيحمينا) التي نظمتها مؤسسة كرامة للتنمية الاجتماعية و قامت بتوزيع 12 جهاز توليد أوكسجين، و12 جهاز رذاذ محمول، و10 مرشات يدوية، و400 ليتر كلور، و15 ألف كمامة، و15 ألف قفاز، شملت المشفى الوطني ومشفى سالة وعدداً من المراكز الصحية في المحافظة وفرع الهلال الأحمر العربي السوري وفق ما ذكر منسق الحملة في المؤسسة كرم مطر. كما قام (مركز النور الخيري) في قرية ريمة حازم في ريف السويداء الغربي بتقديم الدعم ل 34 أسرة من أصحاب الدخل المحدود، وتوزيع مادة الخبز المخصصة للقرية مجاناً ولمدة أسبوعين، كما تقرر منح مكافآت مالية لعمال النظافة في قرية ولغا لحرصهم على نظافتها.
يشير هنا مدير أوقاف السويداء الشيخ نجدو العلي إلى مدى الحاجة اليوم للمبادرات الاجتماعية التي تعزز التكافل الاجتماعي فهذه المبادرات هي حاجة اجتماعية واقتصادية وأمنية أيضا وهي تستند بشكل أساسي على مبادئء الأخوة والمحبة والأخلاق لتخفيف الأعباء المالية عن المواطنين في ظل الظروف الصعبة والإرتفاع في أسعار البضائع والسلع المختلفة بشكل يساهم في تعزيز اللحمة الاجتماعية والتماسك بين أبناء المجتمع.

أين التجار والمسؤولين؟
هذه الطاقة الكبيرة داخل مجتمعنا السوري من المهم استثمارها بالشكل الأمثل وقد تكون الكرة اليوم في زمن كورونا بملعب الرؤوس الكبيرة من التجار والصناعيين في ملاقاة تلك المبادرات بمبادرات أخرى يرمون فيها حسابات الربح والخسارة جانبا ، خاصة وأن حالة الثراء والإثراء التي قدمتها لهم حالة اضطراب الأسواق كفيلة بتقديم عشرات المبادرات التي من شأنها رسم البسمة من جديد في نفوس أبناء شعب لايستحق إلا الابتسامة والشموخ.

رفعت الديك