Uncategorized

تغريد خارج السرب…!

 

تثير محاولة التطبيع مع الكيان الصهيوني، من خلال الدراما الخليجية، كما ظهرت في بعض المسلسلات التي تعرض الآن، جملة من الملاحظات. أولاها أن الثقافة والإعلام هما أداتان في خدمة الحكام، وليس لهما من غاية سوى ترويج سياساته مهما كانت خاطئة، بل ومخالفة لرغبات المواطنين. ونظراً لما تتمتع به الدراما التلفزيونية من إقبال شعبي واسع على مشاهدتها في شهر رمضان، فإنها الأداة الأنجع لنشر التطبيع الذي لا يمكن تجميل وجهه السياسي البشع، فيتُم تجميله من خلال مثل هذه المسلسلات التي تحمل السم في الدسم، وتستطيع النفاذ إلى عقول البعض والنجاح في خداعه… ومن هنا خطورة هذا النوع من الدراما التطبيعية التي تجد للأسف من يعمل فيها مقابل المال الوفير، فهؤلاء ممثلون وكتاب ومخرجون مأجورون لا هم لهم إلا ما يقبضونه في النهاية.

الملاحظة الثانية هي أن الدراما الملتزمة، إذا صح التعبير، والتي يُفترض أن تقوم بدور أساسي في تعميق ارتباط المواطن العربي بقضاياه الوطنية والقومية، وتحصين وعيه ضد كل محاولات الاختراق والتطبيع السياسي والاقتصادي والثقافي، تُشكّل نسبة لا تكاد تذكر من مجموع المسلسلات العربية المعروضة، ذلك أن التفكير في الربح، ولا شيء غير الربح، يدفع المنتجين، مع استثناءات قليلة جداً، إلى الابتعاد عن الموضوعات الجادة، واللهاث وراء الحكايات والقصص التافهة التي، حتى وإن لم تكن تحمل مضموناً معادياً مباشراً كدراما التطبيع مع الصهاينة، فإنها تساهم في تسطيح الفكر والوعي وإفساد الذوق، مما يصب، قصَد صناعها أم لم يقصدوا، في خدمة المشاريع المعادية التي يهمها أن تتغير اهتمامات المواطن العربي وأن تصبح قضاياه الحقيقية غريبة عنه.

الملاحظة الثالثة هي أن تراجع الدراما العربية عموماً وتورط صناعها في إنتاج الرداءة وإعادة إنتاجها، أمر يرتبط بتراجع الحالة الثقافية خصوصاً، والحالة السياسية والاقتصادية والاجتماعية السائدة بشكل عام. ولا يمكن في هذه الحالة أن ننتظر من الدراما ممارسة دور وطني وتنويري ونهضوي حقيقي ، في حين تعم الرداءة كل مجالات الحياة، وتُتّبع سياسات اقتصادية واجتماعية وثقافية وتربوية تؤدي إلى إفساد الناس وإيصالهم إلى مرحلة خطيرة من الانسلاخ الوطني والأخلاقي، والكفر بكل الثوابت القيمية والانقلاب عليها. ومن هنا يبدو من الناحية المنطقية أن انتشال الدراما من هوة الرداءة يصعب أن يتم بشكل ناجح ومستدام إلا في سياق أشمل للوضع الثقافي عموماً، والذي بدوره لا ينفصل عن غيره من الأوضاع السياسية والاجتماعية والاقتصادية…الخ .

وطالما بقيت دار لقمان على حالها،  فلا أمل في تغيير إيجابي حقيقي ، ولو جزئي ، لا في الدراما ولا في غيرها .هل يعني هذا أن علينا البقاء مكتوفي الأيدي في انتظار أن يتحقق ما يبدو أنه بعيد المنال، أو يحتاج وقتاً وظروفاً مواتية وإرادة سياسية وحاملاً قديراً؟. الجواب بالطبع لا، فما زال ثمة بعض الجهود الحكومية والخاصة التي، حتى وإن كانت أشبه بالتغريد خارج السرب، فإنها قادرة على اختراق حصار الرداءة، وتقديم الجيد على قلته. ولنا في مسلسل (حارس القدس) مثل يستحق كل الإعجاب و التقدير، رغم بعض الملاحظات النقدية التي يمكن توجيهها له.

محمد كنايسي