Uncategorizedالصفحة الاخيرةصحيفة البعث

في زواله.. كرامتنا!

حسن حميد

يكادُ المرءُ يصابُ بالذهول، بعد أن ملأت الحيرة قلبه، وهو يرى ما تفعله قطعان المستوطنين في القرى والمدن والمخيّمات الفلسطينية في الضفة، وهي أفعال إجرام وبطش، وعطش لسفك الدماء، وشهوة لتدمير الروح الفلسطينية التي مازالت، بعد مرور 75 سنة على احتلال الأرض والظلموت الجائر، وهو زمن خرافي وطويل، تقول وبالصوت العالي: بلادي.. بلادي!؛ لقد حسب المحتل الإسرائيلي أنه باحتلاله الأرض الفلسطينية احتلّ الذات الفلسطينية وتسيّدها، وأنّ ثقافة الإخافة والإماتة التي أشاعها في كلّ مكان، شاعت أيضاً في نفوس الفلسطينيين، وهذا محض بهتان، لأن ما يلاقيه من مواجهة صلدة، لا تعرف رهبةً للموت، ولا خوفاً من البطش، تعيده في كلّ مواجهة إلى حقيقة جلية واضحة هي أنه محتل وغاصب، ولا بدّ من زواله!.

يطلب المحتل الإسرائيلي وفي كلّ لحظة، وكلّ ساعة، وكلّ يوم من السلطة الوطنية الفلسطينية أن تسيطر على المدن والقرى والمخيّمات في الضفة، أيّ أن تكون اليد المعوان له على قتل الروح الفلسطينية المنادية بالكرامة، ولا كرامة يطلبها الفلسطينيون إلا كرامة المواطنة التي لا يمكن أن تتجلّى إلا بعد كنس الاحتلال الإسرائيلي.

عجيب، وخيالي، ووحشي.. ما تطلبه سلطات الاحتلال الإسرائيلية من السلطة الوطنية الفلسطينية، ولاسيما حين تذوق طعوم الهزيمة في كلّ مواجهة، وحين تتعالى وتشيع أخبار مقتل جنودها وجرحهم وهروبهم المذلّ من مواجهة أهلنا في القرى والمدن والمخيّمات الفلسطينية.

شيءٌ لا يصدّق، وخارج المنطق، أن تطلب سلطات الاحتلال الإسرائيلي ضبط الأمن في الضفة الفلسطينية، من قبل قوات الأمن الفلسطينية، بعد أن أغرقت بلدة ترمسعيا في شمال مدينة رام الله بالدم، وأشاعت الخوف في كلّ بيت لأنّ قطعان المستوطنين دخلوا البيوت فقتلوا، وجرحوا، وسرقوا، ونهبوا ما طالته أيديهم، حتى الماشية لم تسلم منهم فقد طاردوها وبقروا بطونها، وحرقوا البيوت.. تحت حراسة من أفراد الجيش والشرطة الإسرائيليين الذين اكتفوا بالفرجة على إراقة الدم والحرق والتخريب والمطاردة، كما لو أنهم يتفرجون على فيلم سينما، ومع ذلك، وهنا المشين والمقرف، تتعالى أصوات الساسة الإسرائيليين بضرورة ضبط أمن الضفة الفلسطينية!.

أيّ حال من السيريالية، وعدم التصديق، تحدث على مرأى من العالم الأطرش الأخرس الأعمى تجاه ما يفعله الإسرائيليون في القرى والمدن والمخيّمات الفلسطينية، ولم ينته الأمر عند مذبحة ترمسعيا، بل اشتطّ الشر وفاض بحقده ليصل إلى بلدات: اللبن الغربية، وبرقة، وكفر ديك، وبورين، وحوسان، وياسوف، وعوريف، وسوسيا، وجنين، ومخيّم جنين، وقطعوا الطرق الواصلة بين هذه البلدات، وكلّ هذا الذي يحدث ليس أحداثاً فردية، بل هو سلسلة من أحداث همجية عنصرية مستمرة، فالمستوطنون يهاجمون القرى جماعات جماعات.. بالأسلحة والعصي والبلطات وقضبان الحديد والمجارف فيقتلون كلّ من يصادفونه في الطرق والبيوت، ويقتلعون الأشجار، ويخربون الحقول، ويسرقون كلّ ما غلا وخفّ حمله، ويقيمون الخيام المؤقتة بجوار القرى، ويسكنونها نهاراً، ويغادرونها ليلاً، لتكون إشارة لاستيطان جديد.. ولا رادع لهم، لا قانون ولا ضمير!.

كلّ هذه العربدة، والعنصرية، والنازية، والبربرية، مرفوقة بحضور قوات الجيش الإسرائيلي، وحرس الحدود والشرطة الإسرائيلية، الذين لا يمنعون واحداً من أولئك المتوحشين من أن يمارس بطشه وحقده في القتل أو الحرق أو التخريب، ومن ثم، ويا للهجنة وقلّة الحياء، يصرخ ساسة الكيان المحتل مطالبين السلطة الوطنية الفلسطينية بالتدخل! أيّ تدخل تطلبون أيها القتلة، أيها البرابرة، فالجميع هنا، في القرى والمدن والمخيّمات الفلسطينية والسلطة الوطنية، قلب واحد، وعزيمة واحدة، تقول جهراً: لا حياة للمحتل غاصبِ الأرض، لأنّ الحياة هنا، في القرى والمدن الفلسطينية هي للفلسطينيين، أهل هذه البلاد منذ أن عرفت الدنيا النور والحقّ والعمران.

وعلى المحتل الإسرائيلي أن يعلم ويعرف ويعي، أنه وفي كلّ مواجهة مع الفلسطينيين هو الخاسر الأكبر، لأنّ صمود الفلسطينيين 75 سنة في وجه أبغض شكل من أشكال الاحتلال في الدنيا.. هو درس بليغ، وعليه أن يفهمه، وأنّ الأجيال الفلسطينية لا ترث من الأجداد والآباء.. المكان والزمان والأحداث والحادثات والمقابر والمعاني فحسب، بل ترث ثقافة الحرية، والحرية تعني الكرامة، ولا حياة بلا كرامة، وهذا يعني أنّ كرامة الفلسطينيين تقول بوضوح: على النقيض أن يرحل ويزول هو وثقافته وروايته المختلقة، ولا نقيض لنا، وفي كلّ شيء، سوى المحتل الإسرائيلي، ففي زواله.. كرامتنا.

Hasanhamid55@yahoo.com