ثقافةصحيفة البعث

جاهل أم خبيث؟

حالة التفاؤل التي استبشرنا بها خيرا في الموسم الدرامي الماضي 2019، يبدو أنها لم تكن إلا سحابة صيف! فالمشهد الدرامي التلفزيوني للموسم الحالي أثار مروحة واسعة من الانتقادات، سواء تلك المبنية على رأي نقدي، أو تلك العفوية التي صدرت عن الجمهور نفسه – وهذه الأصدق طبعا – لتكتظ مواقع التواصل الاجتماعي بموجة استياء وسخرية غير مسبوقة من حال الدراما المحلية، فما ظهر هذا الموسم من أعمال درامية، أقل ما توصف به هو انسلاخها التام عن الواقع، بل وذهابها نحو خيارات فرجوية لا تعتمد على المضمون وجودته الفنية، بل إنها تنسف هذا الأمر من أساسه، ليجيء كل الاعتماد على الشكل، البهرجة اللونية، الأزياء، الإكسسوار، الأثاث الفخم، السيارات الفارهة، “الستارز” من الممثلات والممثلين. وخلا عمل أو اثنين لا يمكن البت نقديا بتفاصيلهما على اعتبار أن الأحداث فيهما لم تتكشف إلا بشكل جزئي، يمكن القول أن المسلسلات السورية هذا العام، سجلت انحدارا فنيا وعلى كافة المستويات، لم يحدث أن كان بهذه الحدة سابقا، لا على سبيل الحكاية ولا على سبيل التنفيذ.

ولكن هل من المعقول أن يكون هذا الاستمرار في الانحدار، والتخلي بعد التفريط بالكثير من مكتسبات الدراما التلفزيونية التي حصلتها بجهود أعوام طويلة من العمل المضني للعديد من كبار الأسماء فيها، حدث من باب الصدفة مثلا، أو عدم الخبرة في هذه الصناعة الثقيلة، وبالتالي نشوء هذا المشهد الدرامي المخزي بما ما للكلمة من معنى؟

تشير جميع الحقائق الموضوعية اليوم إلى أن ما تعاني منه درامانا سببه شركات الإنتاج، أو ما يسمى بـ “رأس المال الجاهل”، والتي يعنيها في المقام الأول الربح بغض النظر عن سوية ما تقدم من مسلسلات، إلا أن هذا الكلام يعتريه شيء من الشك، بل الكثير منه، فما يحصل بحق درامانا هو تخريب ممنهج، وهذا ينفي صفة “الجاهل” عن رأس المال، فهو ليس إذا رأس مال جاهل، بل رأس مال مخرب.

ما فعلته شركات الإنتاج المتصدرة للإنتاج الدرامي بشقيها الرسمي والخاص، خلال العقد الأخير المنصرم، وتحت حجة أسمج من ذنب، مفادها “الحصار الدرامي”، فالحصار يكون على التوزيع لا على الجودة، لذا ما من مبرر للرداءة.. تلك الشركات قامت بتحويل هذا القطاع الخطير بجميع مساربه، من قطاع متعوي، تثقيفي، فني، إلى “مشاع عمومي” – الداخل داخل والطالع طالع – ما من قيمة للحكاية، القصة الأساس الأول الصحيح للعمل الدرامي، لا تُشال من أرضها، حتى صار بالإمكان أن نطلق على عمل ما “طوشة عرب” لا رأس لديه ولا قدم.. مجموعة من الممثلات الحسان والممثلين السائرين على خطى “مهند”، يقومون بحركات وأفعال أمام الكاميرا: حوار ركيك، حكاية مبتسرة، أداء ضعيف.. وهذا طبيعي، فعندما يكون الورق ضعيفا، لن يكون ما سيبنى عليه قويا. ما من قيمة لهذا الاسم وتاريخه أو ذاك، احتقار مقصود للتقاليد الأصيلة التي وضعت أسس العمل الدرامي المحلي، الميوعة والتخنيث الحاصل هنا وهناك، فوز الشد والشفط والنفخ والسيلكون بأدوار البطولة، جعل الواسطات والمحسوبيات من طبيعة الحياة الدرامية، “مونة” البعض في فرض العمل الفلاني على تلك الشركة أو غيرها، انخراط المنتجين الأميين في صلب العملية الفنية القائمة أولا على الإبداع – أو هذا ما هو مُفترض – غياب الاستراتيجيات الفعالة بل غياب التخطيط من أساسه، الاعتباطية في التعامل مع العمل الدرامي، “الاسترخاص” الحاصل في عموم مفاصل العمل الدرامي.. هذا وغيره مما يُعرف ولا يقال فعلته تلك الشركات، والنتيجة ها نحن نراها بكامل الخيبة: الدراما التي كان ينتظرها ما يقارب الـ 300 مليون مشاهد في الوطن العربي، حلت محلها الدراما المدبلجة، تلك التي تم فيها توظيف صوت الممثل السوري لخدمتها وخدمة نجاحها على حساب الدراما المحلية، فهل المال القادر على إحداث هذا الخراب الكبير في هذه الصناعة هو مال جاهل فعلا، أم مال خبيث، ويجب أن تدور حوله الأسئلة وإشارات الاستفهام.. لا التعجب؟!

تمّام علي بركات