دراساتصحيفة البعث

ملفات ساخنة بانتظار بايدن

عناية ناصر 

أبلغ مكتب إدارة الخدمات العامة الأمريكية الرئيس الأمريكي المنتخب جو بايدن قبل فترة أن إدارة الرئيس دونالد ترامب مستعدة لبدء عملية الانتقال الرسمية التي تمّ إطلاق العنان لها، لتستهل الولايات المتحدة عهد بايدن. ومن المتوقع أن يقوم الرئيس المنتخب بتعديل سياسات إدارة ترامب بشكل ملحوظ، وخاصة في الدبلوماسية. يقول وزير الدفاع الأمريكي الأسبق، جيم ماتيس، في مقال نُشر في مجلة “فورين أفيرز” إنه يأمل أن يلغي بايدن “أمريكا أولاً” من إستراتيجية الأمن القومي مع الإدارة المقبلة.

لم تدخر واشنطن أي جهد للحفاظ على هيمنتها العالمية وكذلك على مصالحها التوسعية منذ نهاية الحرب الباردة، وهو ما دفع الرؤساء الأمريكيين لتبني أساليب متنوعة لتحقيق هذا الهدف. لكن خطاب وسياسات ترامب اتجهت إلى أن تكون أكثر مباشرة، مثل “أمريكا أولاً”، والانسحاب من المنظمات أو الاتفاقيات الدولية، وشنّ الحروب التجارية. وسبقه إلى ذلك الرئيس السابق باراك أوباما حين قال في خطاب التخرج عام 2014 في ويست بوينت إن الولايات المتحدة “يجب أن تقود المسرح العالمي”، وهذا يشير إلى أن إدارته عملت أيضاً على الحفاظ على الهيمنة الأمريكية. من حيث الجوهر، كان ما سعى أوباما في ولايته نوعاً من “أمريكا أولاً”، لكن بأساليب خطابية مختلفة. من هنا يعتقد أن طريقة بايدن ستواصل الحفاظ على الهيمنة الأمريكية من خلال استعادة الدور القيادي للولايات المتحدة في العالم، والتأكيد على أهمية القوة الناعمة والتحالفات.

لا شك أنه بعد توليه منصبه، سيعمل بايدن على تحسين علاقات الولايات المتحدة مع حلفائها، على النقيض من ترامب الذي كانت لديه قناعة بأن حلفاء الولايات المتحدة يعملون لحسابهم الخاص، ويستغلون الولايات المتحدة. وربما يعتقد بايدن أن الولايات المتحدة يمكن أن تحافظ على هيمنتها بشكل مناسب باستثمار تحالفاتها بعد مكالمة له مع أورسولا فون دير لاين، رئيسة المفوضية الأوروبية، حيث قال مكتب بايدن في بيان إن بايدن “أكد التزامه بتعميق وتنشيط العلاقات بين الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي”. علاوة على ذلك، سيتمّ تعزيز الحوار الأمني الرباعي الاستراتيجي غير الرسمي بين الولايات المتحدة واليابان وأستراليا والهند (QUAD) كما سيتمّ تعميق التحالف مع اليابان وكوريا الجنوبية. حتى الحوكمة العالمية متعدّدة الأطراف يُتوقع لها أن تشهد تغييرات، ففي ظل رئاسة بايدن، من المتوقع أن تعود واشنطن إلى منظمة الصحة العالمية، واتفاقية باريس، وتنظر في العودة إلى الاتفاق النووي الإيراني. وهذا لا يعني أن يتنصل بايدن تماماً من سياسات ترامب بالمطلق، إذ يعتقد الديمقراطيون أن بعضها فعّال. لذلك، قد يختار بايدن الحفاظ على عدد قليل منها ولكن مع قدر أكبر من البراعة الخطابية والمرونة في التنفيذ.

لقد حوّلت واشنطن منذ نهاية الحرب الباردة تركيزها تدريجياً من أوروبا إلى منطقة آسيا والمحيط الهادئ، لكن الشرق الأوسط استحوذ على الكثير من اهتمام الولايات المتحدة في أعقاب هجمات الحادي عشر من أيلول خلال إدارة الرئيس السابق جورج دبليو بوش. وهكذا ومن سياسة أوباما في إعادة التوازن إلى منطقة آسيا والمحيط الهادئ إلى إستراتيجية ترامب في المحيطين الهندي والهادئ، تحوّل تركيز الولايات المتحدة إلى هذه المنطقة بقوة أكبر. وعليه من المفترض أن يستمر بايدن في هذا الاتجاه، فالمجتمع الدولي ما يزال على الصعيد نفسه إلى حدّ ما في هذه النقطة، أي أن القرن الحادي والعشرين سيكون آسيوياً.

أما على مستوى العلاقات مع الصين، المنافس القويّ للولايات المتحدة، فلن يكون هناك تبدل جوهري في العلاقات الصينية الأمريكية، ويُعتقد أن إدارة بايدن ستنظر إلى الصين كمنافس استراتيجي، لكن سيكون هناك مجال أكبر للتعاون مقارنة بعهد ترامب، فبسبب إدارة ترامب، تراجعت العلاقات الثنائية إلى أدنى مستوياتها على مدار العقود الأربعة الماضية. لذلك قد ينخرط البلدان في مزيد من التعاون في المعركة العالمية ضد جائحة كوفيد-19، وتوزيع اللقاحات، وتنسيق سياسة الاقتصاد الكلي العالمي، فضلاً عن تغيّر المناخ. إضافة إلى ذلك، سيتجاهل بايدن بعض سياسات ترامب غير العقلانية تجاه الصين، فعلى سبيل المثال، قد تعيد إدارته النظر في إعادة فتح القنصلية الصينية المغلقة في هيوستن، لكن سيتبع بايدن بعض أساليب ترامب التي يشعر الديمقراطيون أنها أثبتت فعاليتها في التعامل مع الصين، بدلاً من مجرد العودة إلى أسلوب المشاركة في عهد أوباما.

في ظل هذه الخلفية، عند وضع السياسات، يتعيّن على بايدن التفكير بعناية في آراء الجمهوريين المتشدّدة، لذلك من المحتمل أن يقدّم بعض التنازلات لهم، خاصة ما يتعلق بالصين. لذلك، سيكون من الصعب على بايدن تحسين العلاقات مع الصين بشكل كبير.