الصفحة الاخيرةصحيفة البعث

الغرب.. وما يريد!

حسن حميد

كتب إليَّ أحد القراء الكرام قائلاً، وبعد كلام كثير: وعلامَ تظلون، أنتم الكتّاب، تتحدثون عن الماضي، ولماذا تتقصدون الغرب تحديداً حين توجهون إليه أصابع الاتهام، فتقولون إنه سبب كل علة في وجودنا الراهن، منذ مئة سنة وحتى يومنا الراهن؟! أما من علل أخرى هي السبب وراء المشكلات العربية التي دحمت الغالي والنفيس، وأتت على النبيل والعزيز؟!

سؤال مهم، ومهم للغاية، وللإجابة أقول:

نحن لم نفتعل العداء مع الغرب، ولا لأي سبب كان، الغرب ومنذ ألف سنة، لا مئة سنة، وهو يحاول السيطرة على الجغرافية العربية، أعني المكان، وعلى الجغرافية العقلية العربية، أعني الرؤى، وعلى الجغرافية الزمانية، أعني كل ما تحلّى به العرب عبر الفترات الزمنية التي عاشوها حكاماً ومحكومين، وأنا لم أشر إلى وثيقة كامبل بنرمان البريطاني التي صدرت عام 1907، وفيها صلب الرؤى الغربية الهادفة إلى تدمير كل حراك حيَّ يجعل من العرب أمة، وكيانية، وثقافية قطبية، وحضارة منظورة، على أنها هي الوثيقة الغربية الصريحة الوحيدة التي شخّصت خطورة العرب على أوروبا، أو التي رأت أن مخاطر تقويض الحضارة الغربية آتية من العرب، أو قل من الرؤى العربية، وإنما أشرتُ إليها بوصفها وثيقة تجهر بما يجيش في نفوس الغربيين تجاه الأمة العربية واقعاً مكانياً، وطموحاً حضارياً، وتوقاً إنسانياً للمشاركة في تثمير الحضارة الإنسانية، أبداً، لأن هناك وثائق كثيرة أكّدت على ضرورة وضع المكان العربي، امتداداً واتساعاً، تحت سيطرة الإرادة الغربية، والتحكم بأمور العرب الصغيرة منها والكبيرة، ولعل من أبرزها الوثيقة الفرنسية الناطقة باسم الغرب، التي دوّنها ملك فرنسا، لويس التاسع، الذي أُسر في دار ابن لقمان بمصر، وحياته محصورة بين عامي 1214 و1270، أي قبل وثيقة كامبل بنرمان بمئات السنين وفيها تربخ رؤيا العالم الغربي / أوروبا على وجه التحديد تجاه البلاد العربية، وإن وسّعنا دائرة الشمولية لقلنا تجاه البلدان الإسلامية جميعاً، وقد جاء في وثيقة الملك لويس التاسع، ملك فرنسا، وبعد استخلاصات كثيرة، أنه لا يمكن الانتصار على العرب والمسلمين من خلال الحرب إلا بإتباع الخطوات الآتية:

ــ إشاعة الفرقة بين القادة والحكام، والبحث عن أصغر التفاصيل التي تؤدي إلى تنافرهم واستحكام العداء فيما بينهم.

ــ عدم تمكين البلاد العربية والإسلامية أن يقوم فيها حكم قاعدته الأساسية الديمقراطية، ورعاية مصالح الناس واحترامهم، وجعل المسافة بعيدة ما بين الحكام والشعوب.

ــ إفساد أنظمة الحكم في البلاد العربية والإسلامية بكل أشكال الرشا والفساد والنساء حتى لا تعرف القمة الحاكمة ما يحدث في القواعد الشعبية.

ــ الحيلولة دون قيام جيش قوي معزز بالثقافة الوطنية والمبادئ السامية، جيش يضحي في سبيل الوطن والمبادئ.

ــ العمل على عدم قيام دولة عربية واحدة، وإجهاض كل حركة تدعو إلى الوحدة بين بلدان العرب.

ــ العمل على إنشاء دولة غربية في المنطقة العربية تمتد لتصل إلى الغرب الأوروبي.

ــ تدمير العقيدة العربية، وكل ما يتعلق بها من إيمان وتقديس.

ــ تدمير اللغة العربية وشل فعالياتها عبر نشر اللغات الأجنبية.

هذه وثيقة عمرها أكثر من سبعة قرون، نحن لم نخترعها، ولم نتقولها، إنها وثيقة ملك وحين ننظر إليها اليوم، نرى أن الغرب اليوم أيضاً لا يريد سوى تطبيق ما جاء فيها، فهل نحن نتحامل على الغرب حين نكشف عن ما تستبطنه عقول أهله ونفوسهم؟! لا أظن، إنه من حقنا أن نعرف لماذا يعادينا الغرب، ومن حقنا أن نعد أنفسنا وعدتنا لمواجهته وقد كشر عن أنيابه منذ زمن بعيد ومازال!

Hasanhamid55@yahoo.com