نكسة حزيران بين المحنة و تجسيد الصمود
إعداد: قسم الدراسات
بعد مرور 53 عاماً على نكسة حزيران عام 1967، حدثت تغييرات سياسية واقتصادية واجتماعية في الجانب العربي من شأنها الزيادة في تعقيد الصراع العربي- الإسرائيلي، لكن وعلى الرغم من تبعات الحرب التي أدت إلى مواصلة الاحتلال الإسرائيلي لـ فلسطين العربية والجولان السوري، إلا أن الشعبين السوري والفلسطيني أثبتا تمسكهما وتشبثهما بأهدافهما وثوابتهما الشرعية.
جذور الحرب
انتهت أزمة السويس بانسحاب الكيان الإسرائيلي من شبه جزيرة سيناء وقطاع غزة في 8 آذار 1957، ودخلت قوات دولية تابعة لـلأمم المتحدة (UNEF) إلى المناطق التي انسحب منها الكيان لحماية وقف إطلاق النار. بعد الانسحاب أعلن رئيس الوزراء الصهيوني آنذاك أن الكيان سيعتبر إعادة إغلاق الممر المائي في تيران أمام سفن الكيان الإسرائيلي سبباً لحرب.
بعد ذلك بدأت مقدمات الحرب على الجبهة السورية، وتكثفت الاشتباكات بين الكيان الإسرائيلي وسورية في العام 1964 بشأن النزاع على مياه نهر الأردن الذي يعد الجولان السوري والينابيع في الجولان هي الرافد الأساسي للنهر، بينما كانت هادئة نسبياً على الجبهة المصرية. كان هناك استنفار وعمليات عسكرية على الجبهة السورية بين سورية والكيان وتكررت الاشتباكات قبل اندلاع حرب 1967.
في تشرين الثاني 1966، انتهى التفاهم بين حكومتي الكيان الإسرائيلي والأردن بشأن تهدئة الحدود بين البلدين، حيث قُتل 3 جنود صهاينة بانفجار لغم على خط الهدنة قرب قرية السموع جنوبي الضفة الغربية في لواء الخليل الذي كان تابعاً للمملكة الأردنية الهاشمية، فشنّ جيش الاحتلال الإسرائيلي هجوماً متذرعاً بهذه الحجة على قرية السموع الحدودية وهدم بيوتاً كثيرة فيها.
طوال الشهر الأول من عام 1967 كانت الجبهة السورية مع الكيان الإسرائيلي مشتعلة بنيران متقطعة بين الجانبين، وكانت المدفعية السورية مستمرة بقصف المواقع الإسرائيلية، بسبب الاشتباكات بين الجانبين وتسلل وحدات من المقاومة الفلسطينية إلى داخل الكيان المحتل، حيث كانت تنطلق عمليات فدائية من سورية إلى داخل فلسطين المحتلة وتنفذ الكثير من العمليات الفدائية في هذه الفترة داخل الأراضي المحتلة. وكان الاتجاه العام داخل الكيان الإسرائيلي يميل للتصعيد العسكري مع سورية، وفي 7 نيسان 1967 أسقطت “إسرائيل” 6 طائرات سورية من طراز ميغ 21 – اثنتان داخل سورية وأربع منها ثلاث طائرات داخل الأردن، وأسقطت سورية عدداً من الطائرات الإسرائيلية منها ما سقط فوق الأراضي السوري ومنها ما سقط داخل فلسطين المحتلة.
وعلى خلفية تصاعد التوتر بين الجانبين السوري والإسرائيلي، وتبادل إطلاق النار والقصف، قام الملك حسين بتسليم الطيارين الثلاثة (وهم النقباء وقتها علي عنتر ومحي الدين داوود وأحمد القوتلي) الذين هبطوا بالمظلات داخل الأردن إلى سورية. بعد أحداث 7 نيسان كانت التوقعات تقريباً على كل الأصعدة تشير بأن الحرب ستنشب بين سورية والاحتلال الإسرائيلي لا محالة، فعلى الجانب السوري زادت العمليات ضد الإسرائيليين وشارك الفدائيون في العمليات العسكرية، ومن جانب الاحتلال الإسرائيلي هدد رابين وأشكول الجانب السوري بأن الأسوأ لم يأت بعد. حتى أن وكالة المخابرات الأمريكية أخبرت الرئيس جونسون باحتمال وقوع تحركات ضد سورية، وتوصل المصريون إلى نفس الاستنتاج. كان الاعتقاد السائد وقتها أن المصدر المجهول لهذه التصريحات هو رابين، لكن ذلك المصدر كان الجنرال أهارون ياريف، رئيس الاستخبارات العسكرية، وهي ما أثارت موجة عارمة من القلق على الصعيد العربي.
مقدمات الحرب
تشكلت حالة التوتر تدريجياً منذ نهاية 1966 ففي 15 أيار1967 تجاوزت قوات برية كبيرة من الجيش المصري قناة السويس ورابطت في شبه جزيرة سيناء لإظهار حالة الاستعداد بعد معلومات سوفييتية عن نية “إسرائيل” مهاجمة العرب، ولأول مرة غيرت هذه الخطوة وتطورات أخرى على الجبهة المصرية الحالة التي كانت قائمة بين مصر والكيان الإسرائيلي منذ العدوان الثلاثي (1956) ودفع ذلك الحكومة الصهيونية إلى إعلان حالة تأهب في صفوف جيش الاحتلال. في 16 أيار طالب الرئيس المصري جمال عبد الناصر إخلاء قوات الأمم المتحدة UNEF من سيناء وقطاع غزة التي كانت تراقب وقف إطلاق النار بين “إسرائيل” ومصر منذ 1957. بعد مفاوضات فاشلة استمرت يومين مع كل من حكومتي مصر و”إسرائيل”، أصرت مصر على إخلاء القوات الدولية، وغادرت قوات الأمم المتحدة المنطقة في 18 أيار 1967. في 22 أيار أعلنت مصر إغلاق مضيق تيران أمام السفن الإسرائيلية، الأمر الذي اعتبرته إسرائيل سبباً للحرب. في 5 حزيران شن جيش الاحتلال الإسرائيلي هجوماً على القوات المصرية في سيناء بينما بعث رئيس الوزراء الإسرائيلي برسالة للعاهل الأردني الحسين بن طلال عبر وسيط أمريكي قائلاً: إن “إسرائيل” لن تهاجم الأردن إذا بقي الجيش الأردني خارج الحرب.
الحرب الإعلامية
استغلت القضية اليهودية القديمة في أوروبا المستندة على الظلم الواقع على اليهود ومعاناتهم من اضطهاد الأعراق غير السامية أي ما يسمى “بالعداء للسامية”، وأطلقت حملة دعم في أمريكا وإنكلترا تحديداً من خلال الكنائس البروتستانتية ذات العقيدة القريبة من الفكر اللاهوتي التوراتي معتمدةً على التلمود المشترك بين اليهودية وتلك الطائفة التي يدين بها أغلب الإنكليز والأكثرية الساحقة من الولايات المتحدة.
كما اعتمدت على مبدأ التفوق في السلاح فبعد أن كانت القوات العربية متفوقة تسليحياً لغاية عام 1965 عقدت “إسرائيل” عدداً مهماً من الاتفاقات لإعادة تسليحها بأحدث الأسلحة الغربية. واعتمدت كذلك على مبدأ التفوق الجوي في ساحة المعركة ذلك لوهن الجندي الإسرائيلي ومحدودية حيلته وعدده. وبنت قيادة الجيش والأركان الإسرائيلية خططها على الانفراد بكل جبهة عربية على حدة لعدم إمكانيتها من فتح أكثر من جبهة في آن واحد.
واعتمدت أيضاً على الدول الكبرى من خلال عدم فسح المجال للقوات العربية بالمبادرة واختيار الزمان والمكان المناسبين لأي تخطيط عسكري تعبوي وعدم فسح المجال أو إعطاء فرصة للقوات العربية بتنظيم قطاعاتها لصد الهجوم أو القيام بهجوم مقابل من خلال التزام الدول الكبرى الأعضاء بمجلس الأمن بإصدار قرار وقف إطلاق النار بعد إتمام العدوان مباشرة لإظهار العرب وكأنهم اخترقوا القرارات والمواثيق الدولية وبهذا يستحقون الردع والعقاب.
أثناء بدء العمليات قامت طائرات الاحتلال الإسرائيلية بضرب المطارات والقواعد الجوية العربية وتحطيم طائراتها، وكذلك استفادت من الضربة الجوية التي قامت بها القوات الجوية الأمريكية والبريطانية اللتان كانتا متمركزتين بقاعدتي “هويلز والعدم” في ليبيا والتي كان من أهم نتائجها تحييد سلاح الجو المصري والذي كان بإمكانه تقديم الدعم والغطاء الجوى للقوات المصرية أثناء العمليات العسكرية أو حتى أثناء الانسحاب، ثم استثمرت تحرك الوحدات العربية في عملية إعادة التنظيم الخاصة بالقيادة العربية المشتركة وشنت هجوماً بالدروع باستخدام أسلوب الحرب الخاطفة على الضفة الغربية التي كانت تابعة للأردن وعلى مرتفعات الجولان السورية وقطاع غزة الذي كان تابعاً لمصر ولسيناء كل على انفراد، حيث استعملت الأسلحة المحرمة دولياً كالنابالم وقذائف البازوكا. حدث ارتباك لدى القوات المصرية بسبب قرار الانسحاب العشوائي الخاطئ الذي أصدره القائد العام للقوات المسلحة المصرية المشير عبد الحكيم عامر، في الوقت الذي قررت فيه الوحدات السورية إعادة تنظيمها للرد على المعركة أو الضربة الأولى وتكثيف هجومها على “إسرائيل”، إلا أن مجلس الأمن سارع بإصدار قرار وقف إطلاق النار ففسح ذلك المجال أمام القوات الإسرائيلية بتنظيم وحداتها فيما يسمى عسكرياً استثمار الفوز.
أدت حرب 1967 إلى إعادة تنظيم الخطط العسكرية العربية وإعادة تنظيم قطعها، كذلك قيام القوات السورية والمصرية بحرب الاستنزاف على القوات الإسرائيلية، وكانت من منجزاتها عمليات في الجولان أهمها: (تدمير مواقع إسرائيلية- قصف سوري لتجمعات إسرائيلية شبه مستمر- معارك جوية بين سلاح الجوي السوري والإسرائيلي- عملية ايلات التي تم فيها تلغيم الميناء وقتل عدد من العسكريين وتدمير ناقلتي جنود إسرائيليتين وإغراق مدمرة إسرائيلية أخرى أمام سواحل بورسعيد بواسطة الصواريخ المصرية).
اليوم وبعد مرور 53 عاماً على نكسة حزيران، ما زالت العزيمة قائمة على تحرير ما تبقى من الأراضي العربية المحتلة، ويعزز ذلك الإصرار هو خروج مقاومات عربية في سورية ولبنان وفلسطين المحتلة والعراق أشد تمرساً وتدريباً وحتى تسليحياً، قادرة على مواجهة الاحتلال الصهيوني وحتى هزيمته في أي حرب. ولعل دروس حرب تموز 2006 هي أكبر مثال على قدرة المقاومة في تحقيق الانتصارات وردع الكيان المحتل عن أي حسابات توسعية مقبلة.