اقتصادسلايد الجريدةصحيفة البعث

ملف التأمين الصحي على خطا موازنة أجور مقدمي الخدمة الطبية مع المتغيرات السعرية

 

لطالما عانت شريحة المؤمّنين صحياً من تدني سوية الخدمات الطبية المقدّمة لهم عبر بطاقات التأمين الصحي، ولم تخلُ الشكاوى من تذمّر وسوء استقبال مقدّمي الخدمات الصحية لهم حيناً، والاعتذار عن المعالجة حيناً آخر؛ وفي كثير من الأحيان تضاف إلى فاتورة استشفائهم، سواء في المشافي أو المخابر، مبالغ إضافية بحجة عدم تغطية البطاقة لبعض أنواع العلاجات التي يتضح لاحقاً أنها مشمولة بها، ما أدى إلى تخلي البعض من المؤمّنين عن تلك الخدمات مقابل عدم التعرّض لتلك المواقف المسيئة، أو لتوفير جهود البحث عمن يعمل تحت مظلة التأمين. وفي المقابل فإن مقدّمي الخدمات لهم أيضاً شجونهم مع التأمين وإشكالياتهم التي دفعت البعض إلى عدم خوض التجربة، أو الخروج منها بعد تجارب غير مرضية، فهل قرار مجلس الوزراء بتعديل الأتعاب الصحية لملف التأمين الصحي يضمن تصويب مسار التأمين الصحي وتخطي إشكالياته، ويبشّر باتساع رقعة المتعاملين معه من مؤمّنين ومقدّمي خدمات؟

غير جاذب!

يبدو أن سوء المعاملة طال جميع أطراف العملية التأمينية، ومنهم الأطباء أيضاً، حيث بيّن عدد من الأطباء المشاركين في التأمين الصحي أن الإشكالية تكمن في آلية التعامل مع المعنيين في ملف التأمين الصحي، حيث يقول الدكتور أديب مالك، اختصاصي عظمية، الذي أوقف تعامله مع التأمين منذ عامين، أن التأمين عالمياً نظام متطور ويجذب الأطباء وجميع مقدّمي الخدمات، بينما لدينا لايزال عندنا غير جاذب نظراً لما يكتنفه من إشكاليات عدة، يضاف إليها الروتين وما ينجم عنه من هدر لوقت الطبيب والمريض معاً، إذ أن آلية التعامل مع الطبيب تفتقر إلى احترام خبرة الطبيب ووقته، حيث يعاني الطبيب من تدني قيمة المعاينة التي لا تتجاوز الألف ليرة غير صافية، ويتمّ حسم رسوم نقابية وغيرها، إلى جانب التدخل في آلية صرف الوصفة الطبية للمريض بحجة عدم وجود بعض أنواع الأودية، ما يضطر المريض للعودة مرة أخرى، واضطرار الطبيب لتغيير الوصفة بما يتناسب مع الموافقات المسموحة للأدوية، وبالتالي تغيير نظام المعالجة، معتبراً أن هذه الإجراءات بمنزلة تدخل غير محق بعمل الطبيب، بالتوازي مع ضعف قيمة الوحدات الطبية في المشافي وعدم تناسبها مع الكلفة الحقيقية، والتي تعتبر إجحافاً بحق الأطباء في ظل ارتفاع الأسعار والتضخم الحاصل في التكاليف الحقيقية للعلاجات الطبية، عدا عن تأخر صرف قيمة المعاينات ضمن البرنامج لمدة قد تتجاوز الشهرين، وأشار مالك إلى صعوبة العمل ضمن البرنامج كونه يعتمد على إدخال الطبيب لبيانات المرضى وتغييرها دورياً وتستلزم توفر الانترنت والشبكة بشكل دائم، واعتبر أن القرار وحده ليس كافياً للاشتراك في ملف التأمين، أو جاذباً لمن تركه للعودة إليه.

تصويب مباشر

يبدو أن القرار سيشكّل مرحلة انتقال جديدة – بحسب مدير عام المؤسسة السورية للتأمين إياد الزهراء – وخاصة لجهة أن يتجاوز هذا الملف ما واجهه من عوائق كثيرة خلال سنوات الحرب، مؤكداً أن قرار تعديل التعرفة يعطي أشبه بحالة سماح لدفع تكاليف خدمات طبية تغطي العجز الذي كان موجوداً في الأسعار القديمة المعمول بها، وبيّن الزهراء أن الخزينة العامة والمؤسسة ستتحملان بموجب هذا القرار العبء الأكبر بنسبة 95%، على أن تبدأ من بداية شهر تموز موازنة أجور الطبيب وأجور المشافي، ومرحلياً أجور المخابر ودور الأشعة والتحاليل، مع التغيير في أسعار التكاليف الدوائية، ويبدأ الجزء الثاني من الدراسة مع بداية العام القادم.

من زاوية أخرى

شركات النفقات الطبية ترى أن القرار يشكّل بداية جيدة ويحمل في طياته الكثير من الآثار الإيجابية، إذ بيّن مدير شركة الخدمات المميزة، الدكتور حبيب الطويل، أن القرار الصادر عن مجلس الوزراء له أثر إيجابي على كافة أطراف العملية التأمينية، من مؤمّنين وشركات إدارة، ويعتبر المستفيد بالدرجة الأولى طالب الخدمة “الموظف الحكومي”، حيث يضمن له هذا القرار أن تصله الخدمة بالمستوى المأمول، فلم يعد هناك مبررات لتهرب مقدم الخدمة أو التملّص من استقبال المؤمّنين بذريعة الأجور المتدنية، وتنسحب الآثار الإيجابية لهذا القرار أيضاً على مقدّمي الخدمات الطبية للانتساب إلى الشبكة الوطنية المعتمدة من قبل المؤسسة السورية للتأمين. وبيّن حبيب أن القرار يساهم في رفع مستوى الأداء اليومي للمهام المنوطة بشركات إدارة النفقات الطبية، حيث سيتمّ توجيه الوقت والجهد لتطوير الأداء ورفع سوية الخدمات المقدمة عوضاً عن إيجاد حلول للإشكاليات المتعلقة بأسعار الخدمات المعتمدة قبل صدور هذا القرار.

صلاحيات مرنة

مدير شركة “ايمبا”، مروان مطره جي، بيّن أن الجزء الأهم من قرار التعديل هو إعطاء صلاحيات وآليات تسمح للهيئات ذات الصلة بإجراء التعديلات المطلوبة على التعرفة الطبية دون اضطرار اللجوء إلى اللجان لإقرارها، ما يستوجب فترة زمنية طويلة، وإقرارها بسهولة وسرعة لتتناسب مع الأوضاع الراهنة، كون هذه التعديلات تمّ اقتراحها منذ أكثر من عام.

وركز مطره جي على ضرورة منح هذه الصلاحيات لهيئة الإشراف على التأمين والمؤسسة السورية للتأمين ليتمّ إصدار قرارات دون انتظار ضمن الحدود والأصول المتبعة، وبيّن أن الإشكالية تكمن في أن المعنيين بقطاع التأمين الصحي ما زالوا يعتمدون تعريفات وزارة الصحة المعنية بالتعرفة على مستوى القطر، وليس بقطاع معيّن كملف التأمين الصحي والذي يضمّ نحو 900 ألف، هم موظفو القطاع العام، نظراً لأن وزارة الصحة تصدر التعريفات الصحية بناءً على معايير لا تتصل بموضوع التأمين الصحي، فكما هو معروف التأمين سلعة تُقدّم وفقاً للكلفة الرائجة لدى مقدّمي الخدمات من مشافٍ ومخابر وأطباء، وبسبب التضخم والتغيير الحاصل لا يوجد مقياس لتعرفة الخدمات وفق معايير وزارة الصحة وإنما يتعلق بمصادر الكلفة ذاتها.

وعلى اعتبار أن عدم تناسب التعرفة يحمّل المؤمّن فرقاً سعرياً جديداً، بّين مطره جي أن التعرفة عنصر من العناصر والإشكاليات، يتعلق بواقع التأمين وطبيعته وعلاقته المعقدة التي تتدخل بها العديد من الأطراف ذات العلاقة، وتنشأ عنه إشكاليات متعدّدة عولج جزء منها، ولكن تبقى الإشكالية ضمن القطاع الإداري الذي يمتاز بتغطيات ضعيفة ونسب تحمّل عالية، لذلك يجب العمل على إعادة هيكلة قطاع التأمين الإداري.

فاتن شنان