الجيدة تطرد الرديئة
صحيح أن قانون غريشام النقدي “العملة الرديئة تطرد الجيدة” لا يزال صائباً حتى الآن، لكن الأمر مختلف تماماً إذا ما طبقناه في الإدارة أو في مجالات أخرى!
نعم.. هناك إدارات سيئة تمكّنت بنفوذها أن تنتقل من مكان إلى آخر ناشرة الفساد والتخريب في المؤسسات التي استلمت إدارتها، بل إن مديراً سابقاً تمكّن من تحويل شركة رابحة إلى خاسرة بأقل من أربعين يوماً!
ولكن بالمقابل نجد إدارات جيدة حقّقت إنجازات في شركات ومعامل لطالما اعتبرتها الجهات الحكومية المسؤولة عصيّة على الإصلاح أو تحقيق الأرباح.
والمثال هنا شركة الأحذية، التي أكدت العكس تماماً، أي إن الإدارات الجيدة يمكن أن تطرد الرديئة.
وفي حين تمكّن وزير صناعة سابق من تطوير شركة الأحذية إلى حدّ تفوقت فيه منتجاتها بالسعر والجودة على مثيلاتها المحلية والأجنبية، فإن وزراء آخرين أهملوا الشركة وأتوا بإدارات “رديئة” اهتمّت بالإثراء على حساب تردي الإنتاج وتراكم الخسائر.
وكدنا نصدق بأن الأمل معدوم نهائياً بتطوير شركة الأحذية عندما خطّطت حكومة سابقة لإغلاقها أو لتقزيمها إلى معمل واحد فقط، مقتدية بما فعلته بالشركات الإنشائية!
وتغيّر المشهد جذرياً خلال أعوام قليلة، فالشركة تحصد الأرباح لا الخسائر بفعل اهتمام جديّ من وزارة الصناعة بتطويرها.
أكثر من ذلك.. أكدت إدارة معمل أحذية مصياف خلال العامين الماضيين أن “العملة الجيدة تطرد الرديئة”.
نعم.. لم تكن إدارات معمل مصياف المتعاقبة على قدر المسؤولية، ولم يخطر على بالها بأن تُطوّر وتستثمر الإمكانيات المتاحة بما يتيح تحقيق الأرباح وزيادة الزبائن. وقد قلبت الإدارة الجديدة للمعمل المشهد جذرياً خلال أشهر قليلة إلى حدّ أثّرت فيه على إدارات معامل الأحذية الأخرى، فلم تعد وزارة الصناعة تقبل بأية أعذار أو تبريرات للخسائر، في حين يربح فيه معمل مصياف عشرات الملايين.
وفي الوقت الذي كان الإنتاج يتراجع في معل أحذية السويداء إلى أكثر من 50% وبنوعية رديئة كان الإنتاج يزداد في معمل مصياف بفعل إبرام عقود جديدة وزيادة في المبيعات والأرباح!
ولم يتحقّق ذلك بالمصادفة وإنما بقيام إدارة معمل مصياف خلال العام الماضي بتشغيل خط إنتاجي ثانٍ وبتشغيل ورشة الحذاء المدني وبزيادة المبيعات.. إلخ.
وللمرة الأولى تتجاوز مبيعات المعمل أكثر من ملياري ليرة في العام الماضي، والأرباح 440 مليون ليرة، ولم يكن بالإمكان تحقيق ذلك لولا القرارات والإجراءات الجريئة لإدارة المعمل المتعلقة بإصلاح الآلات المتوقفة وإعادتها للعمل، ورفد المعمل بخبرات فنية شابة وتحسين جودة المنتجات.
ولعلّ الإنجاز الأبرز كان معالجة النفايات الجلدية المتراكمة حول المعمل منذ تأسيسه، والتي كانت تلحق الأذى بالبيئة المحيطة، وذلك من خلال طحنها وإعادة تدويرها للاستفادة منها في مشاريع مستقبلية كأرضيات حدائق أو قرميد بلاستيكي.. وهذه التقنية لم تخطر على بال جميع الإدارات السابقة..إلخ، كما أن إدارة المعمل منهمكة منذ أشهر بتركيب خطوط جديدة في المعمل لمضاعفة الإنتاج ووضعها في الخدمة الفعلية قريباً.
بالمختصر المفيد: عندما يتفقّد وزير الصناعة معمل أحذية مصياف عدة مرات، خلال فترات متقاربة، فهذا يؤكد أن الإدارة الحالية ليست جيدة فقط بل تحوّلت إلى مقياس أو معيار لطرد الإدارات الرديئة أينما وجدت بما يترجم -ولوعلى سبيل الاستثناء- نجاعة مبدأ اختيار الإدارة المناسبة في المواقع المناسبة.
علي عبود