دراساتصحيفة البعث

قراءة في مشاريع الضم الصهيونية

ريا خوري

لم تتوقف المشاريع الصهيونية في فلسطين منذ النكبة وحتى اللحظة الراهنة، فبعد احتلال الكيان الصهيوني للضفة الغربية بما فيها القسم الشرقي من مدينة القدس قبل نحو ثلاثة وخمسين عاماً (1967) بدأت تتشكَّل وتظهر تلك المشاريع والأفكار حول الأراضي الفلسطينية المحتلة. وتركَّزت التوجهات على إبقاء مدينة القدس الموحدَّة بجزئيها المحتلين ما بين عامي 1948 و1967 تحت سيطرة الكيان الصهيوني بالكامل.

يمكننا الاستدلال على تلك التوجهات والرؤى الصهيونية حول مستقبل مدينة القدس وقضيتها المركزية من خلال المفاهيم والأفكار التي طرحها بعض المنظرين الصهاينة، والآراء والتوصيات التي تم تثبيتها وتسجيلها في ختام ندوات عُقِدَت في مراكز الأبحاث والدراسات الصهيونية. وكان ديفيد بن غوريون أول رئيس وزراء للكيان الصهيوني في 24 حزيران عام 1948 قد وضَّح علناً وبيَّن نوايا التهويد الصهيونية في مدينة القدس. وكانت النقاشات الحادة في  الكنيست قد وصلت حداً صارخاً  حين قال بن غوريون إنَّ المسألة لم تكن إلحاق القدس بالكيان، بل في كيفية تحقيق هذا التوجه وهذا الهدف في ضوء الظروف الصعبة والعقبات العسكرية والاقتصادية التي تعرقله وتواجه تحقيقه.

منذ ذلك التاريخ اتسمت مواقف الحكومات الصهيونية المتعاقبة بالتعنت تجاه قضية القدس، شأنها شأن قضية اللاجئين الفلسطينيين وحق العودة حسب القرار الصادر بتاريخ 11/ 12/ 1948، وما يتضمنه من إنشاء لجنة توفيق تابعة للأمم المتحدة، وتقرير وضع مدينة القدس في نظام دولي دائم، وتقرير حق اللاجئين الفلسطينيين في العودة إلى ديارهم  من أجل تعديل الأوضاع بحيث تؤدي إلى تحقيق السلام بفلسطين في المستقبل.

ومع احتلال الكيان الصهيوني للضفة الغربية بما فيها الجزء الشرقي من مدينة القدس وقطاع غزة في السادس من حزيران عام 1967، بدأت تتبلور مشاريع عدة وتظهر أفكار وآراء صهيونية متنوعة حول مستقبل الأراضي العربية المحتلة، وتركَّزت تلك التوجهات والرؤى على إبقاء مدينة القدس الموحدة تحت سيادة الكيان الصهيوني الغاصب باعتبارها حسب الرؤية الصهيونية والخطابات السياسية الصهيونية العاصمة “الأبدية” للكيان الصهيوني. ولم يستبعد في حينها موشي دايان وزير الحرب في الكيان الصهيوني التوصُّل إلى تسوية حول مدينة القدس  وما حولها، تُمنَح معها الأماكن المقدَّسة ما سماه “الوضع الخاص” ولكن مدينة القدس – حسب زعمه –  يجب أن تبقى موحَّدة من الناحيتين السياسية والقانونية تحت السيطرة الإسرائيلية.

ومن أهم المشاريع الصهيونية التي تم طرحها بغرض السيطرة الكاملة على مدينة القدس  مشروع بن غوريون لعام 1967 الذي كان أول من طَرَحَ أفكاراً وآراء حول إعطاء الشعب العربي الفلسطيني في الأراضي الفلسطينية المحتلة حُكماً ذاتياً يديرون شؤون حياتهم. لكن المذكور قام بعملية خبيثة جداً عندما وزَّع على الصحف مشروعاً جهنمياً يتضمن بعض الآراء والأفكار والتوجهات ميَّز فيها بين الفلسطينيين المقيمين في الأراضي الفلسطينية المحتلة عام 1967، والفلسطينيين في الخارج، وفي الوقت نفسه ميَّز بين أبناء الفلسطينيين في قطاع غزة وأشقائهم في الضفة الغربية، ليس هذا فحسب بل أخرج مدينة القدس من المشروع مقترحاً ضمها إلى حدود دولة الكيان.

أما مشروع يغال آلون وزير خارجية الكيان فقد طرح مشروعاً شيطانياً أيضاً يتعلَّق بصحراء سيناء والجولان السوري المحتل في تموز 1967، استند فيه على توجهات وأفكار وآراء بن غوريون، غير أنَّ مشروع آلون كان يمتاز بالشرح المُفصَّل وكان واضح المعالم، لذا فقد حظي باهتمام كبير على الرغم من أنه لم تتم مناقشته في إطار حزبي أو حكومي. لقد صمَّم مشروعه  العنصري على أساس التخلّص من الأراضي الفلسطينية ذات الكثافة السكانية العالية، وضم الأراضي الأُخرى التي تمتاز بقلِّة عدد السكان الفلسطينيين، أي التخلُّص من المدن والقرى والبلدات والمراكز الحضرية السكانية، وإعادتها إلى الضفة الشرقية أي إلى الأردن ومواصلة السيطرة على الأراضي الخصبة في الأغوار وشمال الضفة الغربية الفلسطينية  وأراضٍ واسعة من أرياف المدن الفلسطينية تمهيداً لضمِّها إلى الكيان الصهيوني المصطنع. لم يكن آلون غافلاً عن مدينة القدس فقد تطرَّق للمدينة من جانب “الاحتواء القسري” والكامل لهذه المدينة وتهويدها، وهذا التوجّه تم تطبيقه من خلال إنشاء طوقين من المستوطنات حول مدينة القدس وصل عددها إلى 62 مستوطنة.

في تشرين الأول من العام 1968 طرح وزير التعليم الصهيوني الأسبق أبا إيبان مشروعاً آخر تضمَّن البند الخاص بمدينة القدس مضمونه أنَّ الكيان الصهيوني مستعدٌّ لمناقشة التوصُّل إلى اتفاقيات مناسبة مع القيادة الفلسطينية، قائلاً بالحرف الواحد: “التفاوض مع هؤلاء الذين يعنيهم الأمر بشأن القدس”، في خطاب مغرق في عنصريته، ما يعني إلغاء وجود الفلسطيني الحقيقي على الأرض الفلسطينية بعامة والقدس بخاصة. أما غولدا مائير فقد أكَّدت بدورها في مشروعٍ كانت قد طرحته عام 1971 عندما كانت رئيسة وزراء الكيان الصهيوني “إنَّ القدس ستبقى موحَّدة وجزءاً لا يتجزأ من إسرائيل”.

على الرغم من مضي أربعة عقود على عملية الضم  لم يتوقف الاستيطان ومصادرة الأراضي في مدينة القدس وما حولها، فقد سعت جميع حكومات الكيان المتعاقبة بمن فيها حكومة “بنيامين نتنياهو” الحالية إلى تهويد القدس مستغلَّة دعم إدارة الرئيس الأمريكي دونالد ترامب المطلق للكيان، ومستغلَّةَ حالة الانقسام الفلسطيني والضعف والتهاوي العربي في أحضان الولايات المتحدة الأمريكية والكيان الصهيوني، والقبول بشكل علني وسري بصفقة القرن، وبالتالي إلى مزيد من التغوّل الصهيوني وصولاً إلى محاولات الإخلال بالتوازن الديموغرافي لصالح المستوطنين على الرغم من الصمود الهائل للشعب العربي الفلسطيني ومواجهته لجلادي الكيان ومجرميه.