محليات

مسؤولية “العدل” أمام الشائعات.. واجب أم مبالغة؟

خرجت حرب الشائعات الموجهة ضد سورية منذ تسع سنوات وحتى اليوم من جميع الأطر والقوالب المعروفة سابقاً، معتمدةً بذلك على الانترنت وسرعة تداول أية معلومة ضمن كم هائل من البيانات التي لم يعد لها أية حدود جغرافية؛ وبات معتاداً عند كل قضية اجتماعية أو سياسية أو عسكرية تدفق مئات الأخبار الكاذبة من مصادر بعضها مجهول وبعضها خارج البلاد، في حين نجحنا في أوقات عدة بكشف الزيف وتوضيح ما يحدث من متغيرات، إلا أن القصور في الشفافية وانعدام قدرة المؤسسات على المواجهة، مازال نقطة الضعف التي يستثمرها كثيرون لاستغلال أية ثغرة وتهويلها، بل إن هناك من لجأ مؤخراً إلى تداول تعاميم وزارية مغلوطة ومفبركة وانتحال صفات لشخصيات اعتبارية كقضاة ومدراء ومسؤولين عبر وسائل التواصل الاجتماعي، وشهدنا حتى تناقل مراسيم رئاسية لا صحة لها ضمن حملة التهويل تجاه الحصار الاقتصادي الخانق الذي نتعرض له.

ليست مسؤولة!

أمام موجة المعلومات المزورة، يسأل كثر: أين هي وزارة العدل من دورها الردعي؟ وعلى من يطبق قانون الجرائم المعلوماتية إن لم يكن على هؤلاء؟ أم إنه مخصص للصحفيين والناشطين فقط!؟ وفي حين يتجه التركيز على الوزارة، يستنكر عضو إدارة التشريع القاضي عمار بلال تحميلها كامل المسؤولية، فلا يمكن القول بأن الدور الرقابي يقع بالكامل على وزارة العدل، إذ إنه يوجد خلط كبير بدورها، وكأنها المسؤولة عن السلطة القضائية، ويتم تحميلها مسؤوليات غير صحيحة ولا تمتلكها بحكم الدستور والقوانين، فهي لا تملك سلطة مباشرة على القاضي، كون القضاء سلطة مستقلة ولا يحق للسلطة التنفيذية فرض سيطرتها عليه، لذلك يقع الدور هنا على النيابات العامة التي تحرك دعوى الحق العام في الحالات الثلاث المعروفة، وأولها التحريك بناءً على الادعاء الشخصي، أو إذا تناهى إلى سمع النائب العام وقوع جرم ما، أو في حال ورود أمر خطّي من وزير العدل كونه يملك الحق بإعطاء الأمر للنائب العام بتحريك دعوى الحق العام فيما إذا رأى وجود جرم أو مخالفة قانونية.

القصد الجرمي

ويؤكد بلال أن نشر الأخبار الكاذبة أو انتحال الشخصية يعد جرماً بحد ذاته سواء تم عبر الانترنت أم غيرها من الوسائل التي تحقق العلنية، غير أنه لا تتم ملاحقة أي شخص إلا إذا ظهر بمظهر منتحل الصفة، كما أن التعاميم الملفقة المتداولة تُنشر عبر مصادر غير رسمية، والكثير ممن يتناقلونها أو ينشرون إشاعات خاطئة لا يعرفون المصدر الأساس لها، في حين يعتبر القصد الجرمي هو المعيار الأهم في كثير من الدعاوى لجهة  انطباق الفعل على الحالة الجرمية ويُعد التثبت منه والاقتناع به من اختصاص قاضي الموضوع (أي يتعلق بالقاضي الناظر بالدعوى)، ووفقاً لما يتبين له من وقائع الدعوى، ومن الأمثلة على تلك الصفحات التي تنشر أخباراً كاذبة حول أسعار الصرف، فالقصد الجرمي فيها واضح بمحاولة إضعاف الاقتصاد الوطني، أما التداول اليومي للمعلومات العامة لمجرد النشر يصعب انطباق الأركان الجرمية عليه في ظل الكم الهائل من المعلومات، وإلا أصبح القانون مشدداً بشكل خانق ويَعُدّ الأنفاس على الناس فيتعذر تطبيقه ويفقد رهبته لعدم منطقيته.

لا يحمي المغفلين

أما حول ردّ فعل المجتمع السوري تجاه الشائعات فيرى بلال أنه استفاد من التجارب السابقة وأصبح هناك نوع من التحصين والتوجه للتأكد من مصادر الأخبار، وهي عموماً ثقافة إيجابية في المجتمع، فالقانون يختص بالردع عبر العقوبات المشددة إلا أنه غير كافٍ بمفرده، وكما يقال فـ “القانون لا يحمي المغفلين”، فمن يهدر حقه بالمعلومة الصحيحة ويستسلم للشائعات – التي بطبيعتها تهدف لأمر سيئ، – لا يلومنّ أحداً طالما أن مصادر التثبت موجودة! لذلك الأجدى بنا اليوم – وفقاً لبلال – تطوير المعارف الاجتماعية والثقافية تجاه هذه الحالات وعدم الاكتفاء بتشديد عقوبة أو غيرها، إذ يوجد نصوص قانونية للحالات الفردية، ولكن بالمجمل نحن بحاجة وعي كبير يترافق مع شفافية من المؤسسات، وتوضيح لأي طارئ بدل التزامها الصمت لنقع نحن فريسة أي خبر نسمعه، والأجدى بها أن تكون سباقة في الفعل بدل التظلم وردود الفعل الضعيفة.

مؤثر

ليس من الخطأ التوجه لتشديد العقوبات بهدف الردع وهو ما يمكن تحقيقه، إلا أن هذه العقوبات تعتمد على مدى منطقيتها – برأي بلال – وحين يتعلق الأمر بالذم أو القدح أو التشهير أو انتحال الصفة  والإضرار بالآخرين، فقد يكون التعويض المالي الكبير أكثر تأثيراً من عقوبة السجن، التي يستخف بها البعض مقابل ما يجنيه من أموال.

ليس انتقائياً

أما فيما يتعلق بقانون جرائم المعلوماتية واعتبار البعض أنه سيف مسلط على الإعلام، وملاحقة البعض ممن هم في السلطة الرابعة، فيؤكد بلال أن السبب ليس انتقائية القضاء أو استهداف شريحة دون سواها، وإنما لأن الناس تنتقي من ستدّعي عليه، والإعلامي شخصية مُتابعة وصاحب رأي مؤثر، لذلك فهو في دائرة الضوء والعين مسلطة عليه بشكل أكبر، وعموماً فإن المحاكم تؤسس الدعوى بناءً على ما يرد إليها، وليست هي من تختار المدعى عليه.

ريم ربيع