لااتزان “البالة”!
للبالة قصة تجاوزت “إبريق الزيت ” وشهرته، فمن كثرة اجترار هذا الملف وإعادة مضغه تحول إلى خرقة “باليه ” غير مستحب التطرق إليها على الأقل إعلامياً بسبب الملل والضجر الذي أصاب الشارع والمسؤول معاً جراء فضائحية التعاطي مع الملف وتقلباته والمزاج الرسمي السائد بشأنه، وعلى رأس كل ذلك الـ “لااتزان” والتناقض في المنع من فوق الطاولة وغض النظر من تحتها!
عبر عقود طويلة لم تأخذ وزارة الإقتصاد قراراً واضحاً يقضي بالسماح باستيراد ألبسة البالة تحت مبررات وأسباب اختلفت وتنوعت بين فترة وأخرى حسب التوجهات التي رسمت ملامح كل مرحلة، ولاسيما تلك التي كان للقطاع الخاص كلمته في محاربة هذه البضاعة التي اعتبرها البعض منافساً للصناعة الوطنية التي نشطت وازدهرت ماركاتها في فترة ما بعد التسعينات، لتخرج المسألة بحبكة ضعيفة وغير مقنعة ” إذ كيف للبالة أو الثياب المستعملة أن “تغرق” علامات فارقة وعالمية لها زبائنها ومستهلكوها .؟
هنا لا يمكن تحييد دور التجار الذين استقدموا رخص عالمية وافتتحوا محال ومولات فخمة وهؤلاء كانوا للبالة بالمرصاد، في وقت راح البعض يعزف على وتر الجانب الصحي والإدعاء بأن البالة بيئة خصبة لدخول الأمراض والجراثيم، وهذا مالم تكن الحكومة التي رفعت الفيتو بوجه مناصري البالة موفقة فيه إذ إن مجريات الأمور توضح أن التهريب الأعمى هو الذي يسبب دخول الأمراض لأنه غير مراقب صحياً، في حين أن شرعنة دخول البالة يحصنها من كل التهم التي تطالها.
المفارقة التي تضع الحكومة وأجهزتها وعلى رأسها وزارة الاقتصاد والصحة والجمارك في خانة “اليك” هي بالقرار الحاسم الذي لا تتوانى فيه بالمنع، ولكن من يتجول في أسواق المحافظات يجد العجب، فالبالة تملأ الدنيا عبر مئات المحال التي تفتتح ليس في الأسواق المركزية للبالة بل في المناطق والأحياء تحت أعين الرقابة وبلا وازع من دعاة الرفض ومؤيدوهم ممن يدعون الغيرة على الاقتصاد الوطني وعافيته وهم أول الزبائن في محال وبسطات البالة.
هو سؤال يحير الجميع كيف تمنع البالة منعاً باتاً وهي بذات الوقت تغزو الأسواق وتجارها وبائعوها “مهربون” ومخالفون من وجهة نظر القانون ولا أحد يقترب منهم لابل تصل الأمور إلى ارتباطات وشراكات بين صغار وكبار تجار البالة ومتنفذين وأصحاب قرار في الجمارك والاقتصاد والأرباح على “قفا مين يشيل”.؟!
قد تبدو القضية معقدة بوجود مواطن يعتبر البالة حاجة وفرصة لضعف ذات اليد وملاذا لعدم القدرة على شراء الجديد عدا عن الجودة التي تمتاز بها البالة على الآخر الجديد …ولكن هل يعقل أن تبقى المسألة خارج القوننة وتهدر الملايين من الرسوم والضرائب التي يمكن أن تدخل خزينة الدولة.
علي بلال قاسم