محليات

“دخولية” الوطن بالعملة الصعبة فرض على السوري دون الأجنبي.. ومخالفة للدستور على عين القضاء “المستقل”!

 دمشق- ريم ربيع

جمركة المواطن”.. هي آخر ما توصلت إليه الحكومة بعد تدقيق وتمحيص ودراسات لكيفية إنقاذ الاقتصاد وتأمين القطع الأجنبي، ضاربةً عرض الحائط بالقانون والدستور ومصير مئات العمال في الخارج ومئات المرضى ممن يتنقلون للعلاج بشكلٍ دوريّ، فعقلية الجباية التي تفرضها وزارة المالية على الحكومة بكاملها وصلت اليوم إلى رسم العبور للوطن، وبرحابة صدر استجابت الحكومة لمقترح وزير المالية وأصدرت قراراً ألزمت بموجبه المواطنين السوريين ومن في حكمهم بتصريف مبلغ 100 دولار أمريكي وفق السعر المحدّد بالمركزي بحجة تأمين القطع للبلاد.

يمكن اليوم لغير السوري أن يدخل البلاد بكل أريحية، على عكس السوري المضطر لدفع ثمن دخوله لبلاده، فالقرار شمل السوريين فقط وبكافة فئاتهم بلا تمييز، أي يدفع العامل ما يدفعه التاجر ورجل الأعمال نفسهما، وكالعادة جاء القرار منقوصاً يعوزه تفاصيل كثيرة، فهل من يسافر لعلاج أو من يغادر البلاد لأقل من 24 ساعة أو الطلاب والوفود الرسمية عليهم أن يصرّفوا 100 دولار؟ وهل يحوزونها أساساً؟.

الاعتباطية والتسرّع باتا صفة ملاصقة لأي قرار يُتخذ، ففي الوقت الذي اختلفت الآراء بين معارض للقرار ومؤيّد له، كان هناك إجماع على قصوره حتى بنظر من اعتبره إيجابياً لجهة تأمين القطع، وهناك من تحفّظ على كلمة “يدفع” وليس “يصرّف” على مبدأ أن الداخل للبلاد سيصرّف العملة بكل الأحوال، فلماذا لا يستفيد منها المركزي بدل السوق السوداء، وهذا مطلب حق ولكن ليس على الفقير!. فالعامل أو الطالب أو المريض لن يملك هذا المبلغ أساساً، والمركزي الذي عجز عن فرض سعره للصرف على المنتجات الأساسية ها هو يفرضها على المواطن، بحيث يصرّف ما لديه بسعر المركزي ثم يدخل ليشتري بضائع مسعرّة وفق السوق السوداء!!.

تعتبر الخبيرة الاقتصادية د. نسرين زريق أن قرار الجباية يجب أن يطبّق على كل الجنسيات التي تدخل البلاد وليس فقط السوري، وإن كان الهدف إعادة تجميع القطع فمن الإنصاف أن يتمّ التصريف بالسعر الرائج، مضيفةً: “القرار الذي يستحكم السوري فقط لن أصفق له”، وفي الوقت نفسه فإن المبلغ كبير جداً وكان الأولى المطالبة بتسليم تجار الحرب بالداخل لدولاراتهم للدولة، فلا يمكن لأية دولة أن تشترط على أبنائها مبالغ لزيارتها وهي تعلم مخازن الدولار وقادرة على استهدافها بدلاً من سحب بعض الدولارات من سوريين عائدين لبلدهم بعد الحجر!.

وتوضح زريق أن إعادة بناء الاحتياطي من القطع الأجنبي يمكن أن يكون من خلال تجديد العمل بقرار تعهد إعادة القطع عند التصدير الذي شكّل إلغاؤه (من دون سبب) عام 2013 الضربة الأولى للعملة الوطنية، وفي كل مرة ينجح التّجار والصناعيون بتصدير بضاعة سيعاد ضرب العملة الوطنية بدلاً من أن يتحسّن الاقتصاد، فاليوم الكتلة الأضخم من القطع موجودة لدى المصدّرين، مطالبةً بمنع الدولار عن المستوردين للسلع بشكلها النهائي، فهم السبب الأول في الهدر، والأفضل منع الاستيراد باستثناء الدواء والمواد الأولية، وكل ماعدا ذلك يُعتبر أتاوة وإساءة حقيقية للاقتصاد والناس.

الموافقة أو الخلاف تجاه أي قرار اقتصادي هو أمر صحي ومقبول، ولكن حين يكون القرار مخالفاً لدستور البلاد، فهنا لا مجال حتى للنقاش، إذ يؤكد المحامي عارف الشعار أن القرار خالف المادة 38 من الدستور، والتي تحظر منع المواطن من العودة لوطنه، واحتراماً لهذه المادة لا يجوز وضع عراقيل إدارية بوجه العودة كافتراض أن القادم يملك 100 دولار وإلزامه بتصريفه بالسعر الجمركي الرسمي، كما أن هكذا قرار يعتبر اعتداءً على حق ملكية مال منقول بإكراه المالك على استعماله والتصرف فيه خلافاً لإرادته، فضلاً عن أنه يعدّ من قبيل فرض رسم غير مباشر لا يجوز فرضه إلا بقانون!!.

وحول إمكانية الطعن بالقرار أمام القضاء المختص، يوضح الشعار أنه من الممكن رفع دعوى إلغاء أمام مجلس الدولة، ولكن نسبة نجاحها ضئيلة جداً لأن المجلس نادراً ما يخالف قرارات الحكومة!. ومع تحفّظه على نقاط عدة يبدي الصناعي عاطف طيفور رأياً آخر تجاه القرار، معتبراً أن صرف الـ100 دولار ليس ضريبة دخول الوطن، والهدف منه أعمق من ذلك، كما أنه صرف للمبلغ وليس رسوماً، وأن يفضّل صاحبها صرفها بالسوق السوداء فهذا كافٍ ليكون مخالفاً للقانون، متسائلاً: هل يفضّل الداخل للبلاد أن يصرّف 100 دولار لخزينة الدولة، أم يصرّفها لدى التاجر والمضارب والصراف في الداخل للمضاربة، أم يدخل بها لشراء بضاعة وطنية بالدولار لتكون أكبر مضارب لرفع أسعار جميع المواد ويمتنع التاجر عن البيع للمواطن ليحتفظ بالمواد للمغترب؟!.