مجلة البعث الأسبوعية

كورونا حلب.. جشع واستغلال في المشافي الخاصة والصيدليات و15 ألف سعر عبوة فيتامين C

 

” البعث الأسبوعية ” حلب ــ معن الغادري

حتى اللحظة لا توجد إحصائية نهائية عن عدد الإصابات والوفيات بفيروس كورونا، إلا أن المؤكد أن الوباء في حالة انتشار.. بل انفجار، أفقياً وشاقولياً. والمؤكد أيضاً أن المشافي ومراكز العزل العامة والخاصة ممتلئة بالمصابين، وهي عاجزة عن استقبال أي مريض جديد في ضوء تزايد عدد الإصابات وارتفاع عدد الوفيات الناتجة عن الإصابة بالفيروس.

ولعل الأكثر خطورة هو سوء إدارة هذه الأزمة الصحية من قبل المعنيين وخلية الأزمة المعنية بالتصدي لفيروس كورونا، فعدا عن الإجراءات الاحترازية الخجولة المتخذة وغياب المتابعة الجدية لتطبيق القرارات الحكومية، انتقلت عدوى الجشع والاستغلال والاحتكار من تجار وحيتان الأسواق إلى أصحاب معامل الأدوية والصيدليات ومصنعي الكمامات والمواد المعقمة والكحول، وغيرها من متعلقات الأزمة، إضافة إلى استغلال أصحاب النفوس المريضة والجشعة من الأطباء والمشافي الخاصة، حيث بلغت كشفية الطبيب في حلب، ولمدة لا تتجاوز خمس دقائق، أكثر من 50 ألف ليرة، فيما يتقاضى المشفى الخاص حوالي 250 ألف ليرة في اليوم الواحد كمنامة تتضمن فقط أجور تركيب جهاز التنفس الاصطناعي.

 

إصابات يومية

ارتفاع الإصابات ليصل أحياناً إلى 100 إصابة، أو ربما ضعف هذا العدد، يومياً، مؤشر خطير جداً يؤكد وبما لا يدع مجالاً للشك والاجتهاد انفجار هذا الوباء وانتشاره على نطاق واسع، ما يستدعي تدخلاً على مستوى الدولة ومؤسساتها كافة لوقف هذا التمدد الخطير، والذي ما كان ليحدث لولا أسباب عدة منها ضعف الإمكانات المتاحة وعدم توفر الأماكن الكافية المخصصة لإجراء حالات الحجر والعزل الصحي، وفقدان الأدوية من الصيدليات وإسطوانات الأوكسجين من المعامل ومراكز البيع المباشر، وغياب الوعي لدى المواطن في اتخاذ إجراءات الوقاية، إضافة إلى العديد من الأمور المتعلقة بمهام خلية الأزمة وجدية تطبيق قراراتها الصادرة عنها وعن وزارة الصحة بمنع التجمعات وإغلاق المتنزهات والأماكن العامة وإيقاف الأنشطة المختلفة ومراقبة وضبط الأسواق، وتطبيق إجراءات التباعد المكاني على أبواب الأفران ومنافذ بيع السورية للتجارة، والقيام بعمليات التنظيم والتعقيم اليومية للشوارع والساحات والمرافق العامة والأحياء الشعبية على وجه التحديد، وهو ما يشكو منه المواطنون عامة، والذين وجدوا أنفسهم بين مطرقة ومحرقة عدم قدرتهم على تأمين الحد الأدنى من مستلزماتهم واحتياجاتهم، لغلائها أو لفقدانها من الأسواق، وبين سندان الوجع والألم والخوف والهلع من الإصابة بفيروس كورونا.

 

ضربة حظ

رحلة الاستشفاء من الوباء في المشافي العامة أو الخاصة أشبه بضربة حظ، الفارق بينهما أن المشافي العامة لا تتقاضى أجراً على خلاف المشافي الخاصة التي نزعت عنها رداء الإنسانية وأطلقت العنان لجشعها مستغلة المرضى وذويهم وحاجتهم الماسة للعلاج هروباً من الموت العاجل.

ابن أحد المرضى ينتظر على باب المشفى، يقول: وجدت صعوبة بالغة في تأمين سرير لوالدي المصاب، ولم أهتم في البداية مطلقاً لقيمة الأجور، وكان همنا فقط في ان يخرج والدي سليماً من هذه الأزمة، ولكن فوجئت وصدمت بحجم ما يتقاضاه المشفى عن الليلة الواحدة، ما دفعني إلى الاستدانة من أقاربي وأصدقائي لسداد فاتورة المشفى.

منتظر آخر أوضح أنه يعرف مسبقاً كلفة العلاج الباهظة في المشفى، ولكن لا خيار آخر أمامه فالمشافي ومراكز العزل والعلاج العامة ممتلئة عن آخرها.

سيدة في مقتبل العمر، والدتها تعالج في المشفى نفسه، أشارت إلى أنها اضطرت إلى بيع مصاغها لدفع تكاليف علاج والدتها وهي غير نادمة، فالمهم أن تنجو والدتها من هذا الوباء.

معظم شهادات من التقيناهم أشاروا إلى حالة الجشع والاستغلال التي يمارسها البعض لتحقيق أكبر إفادة ممكنة من هذه الجائحة، مشيرين إلى أن الكثيرين تخلوا عن واجبهم الإنساني والأخلاقي والاجتماعي، متسائلين عن أسباب غياب الجهات المعنية والمسؤولة وعدم القيام بالمهام المنوطة بها لجهة مراقبة عمل المشافي والصيدليات التي تحتكر الدواء وتحجبه عن المحتاجين وتبيعه بأسعار باهظة جداً وبخمسة أضعاف سعرها الحقيقي، وتحديداً الكمامات والكحول وأدوية علاج فيروس كورونا “أزيتروما يسين 500″، و”زنك عيار 50″، و”فيتامين C” فوار. ويناشد المواطنون وزارة الصحة لتوفير وتأمين هذه الأدوية في الأسواق، كما يطالبون نقابة الأطباء والصيادلة بالتدخل الفوري لمراقبة عمل المشافي والصيدليات، ومحاسبة المسيئن والجشعين قبل أن يخطف كورونا المزيد من الأرواح.

 

وضع صحي متفاقم

أحد الأطباء من العاملين في أحد المشافي – فضل عدم ذكر اسمه – وصف الوضع الصحي في حلب بالخطير، مشيراً إلى أن الأمر قد يخرج عن السيطرة إن لم تسارع كافة الجهات في التعاون للتصدي لهذا الوباء الخطير.

وبين الطبيب، الذي يعمل بمعدل ورديتين يومياً، أن الإمكانات المتاحة وما يتوفر من تجهيزات وأدوية في المشافي العامة والخاصة لا تكفي لمواجهة هذا الوباء الذي ينتشر بسرعة، داعياً إلى أخذ الحيطة والحذر وإلى تقيد المواطنين بالتعليمات والإجراءات الصحية وارتداء الكمامة وعدم الخروج من المنزل إلا للضرورة، والابتعاد عن التجمعات وتطبيق إجراء التباعد المكاني.

وأضاف: نعمل كل ما بوسعنا لمواجهة هذا الوباء ومعالجة المصابين، ونتمنى على الجهات المعنية بالتصدي لفيروس كورونا التوسع في تخصيص مراكز العزل وتأمين أجهزة تنفس اصطناعي والأدوية المطلوبة.

 

جهود منقوصة

على مسافة قريبة، كانت ورشات وفرق مجلس مدينة حلب تقوم بعمليات التنظيف والتعقيم لبعض الشوارع والأحياء، بينما تشهد الأسواق ووسائط النقل وباصات النقل الداخلي والسرافيس ازدحاماً كبيراً وعدم تقيد بالحد الأدنى من الإجراءات، كارتداء الكمامة، ما يفرغ كل حملات النظافة التي يقوم بها مجلس المدينة من محتواها وأهميتها.. وهنا يكبر السؤال حول أسباب تراخي مجلس المحافظة وخلية الأزمة في تطبيق قراراتهما، وترك الأمور على هواها تنزلق نحو الهاوية أكثر فأكثر في كافة المفاصل وفي الأماكن العامة والمتنزهات والمحلق الجنوبي من المدينة وفي المؤسسات ذات الطابع الخدمي.

 

وعي متأخر

العدد اليومي المتزايد للإصابات أشعر المواطنين بمختلف فئاتهم العمرية بالخطر الداهم، ما دفعهم إلى أخذ الحيطة والحذر والابتعاد عن التجمعات وعدم الاختلاط، إلا أن هذا الوعي المتأخر لم يخفض من عدد الإصابات اليومية، والتي تقدر كمعدل وسطي بحوالي 50 اصابة يومياً، وفق إحصائيات المشافي التي تستقبل المرضى، وهي إحصائية مغايرة تماماً لإحصائية وزارة الصحة اليومية، والتي تعتمد على ما يبدو فقط على المسحات والاختبارات التي تجريها للمشتبه بإصابتهم.

في حلب، تتضارب الأخبار حول عدد الإصابات الإجمالية المؤكدة منذ انفجار الوباء قبل حوالي شهر وحتى الآن، وتفيد شهادات الأطباء الممارسين وعدد كبير من الصفحات الرسمية وغير الرسمية على الفيسبوك أن عدد الإصابات تجاوز الآلاف، فيما لم يتم تحديد عدد الوفيات.

ويرجح الكثيرون زيادة عدد الإصابات، إن لم تبادر الحكومة في اتخاذ إجراءات صارمة وحازمة تحد من انتشار الوباء، والعمل على توفير وتأمين الأدوية المطلوبة للعلاج وإجراء مسحات للمشتبه بإصابتهم والتخفيف من الأنشطة والتجمعات وإغلاق الأماكن التي تساعد على انتشار المرض.

ويرى كثيرون أن الآليات المتبعة من قبل فرق الطوارىء غير ناجعة، وهي بحاجة إلى تدعيم بقرارات أكثر حزماً تلزم الجميع بارتداء الكمامات والتقيد بالتعليمات الصحية والوقائية وفرض غرامات على الأشخاص المخالفين، خاصة في المؤسسات ذات الطابع الخدمي وفي الجامعات والمعاهد التعليمية الخاصة وغيرها من المواقع التي تقدم الخدمات اليومية للمواطنين.

 

الفحوصات الجامعية

ولم تنفع مناشدات الطلاب في ثني وزارة التعليم العالي عن قرارها إجراء الفحوصات الجامعية في موعدها والتي بدأت أول أمس الأحد.

جامعة حلب، التي سجل فيها العديد من الإصابات، اتخذت كل تدابير السلامة العامة والإجراءات الاحترازية لجهة تعقيم الكليات والقاعات وغيرها من مستلزمات الوقاية من المرض، إلا أن ذلك لم يخفف من قلق الطلبة وأهاليهم والذين ما زالوا يأملون تأجيل الامتحانات لحين انحسار الوباء.

وفي السياق ذاته، يتخوف المرضى ومرافقوهم في مشفى الجامعة من انتقال العدوى إليهم نتيجة تخصيص أجنحة خاصة للعزل في مشفى جراحة القلب، ويطالبون إما بنقل مرضى القلب الأكثر تعرضاً للعدوى والإصابة أو نقل أجنحة العزل إلى مكان آخر، وهو ما ينسحب على باقي المشافي باستثناء مشفى الرازي الذي تم تخصيصه بالكامل لمرضى كورونا.

 

مبادرات إنسانية

مقابل حالة الجشع والابتزاز والاستغلال التي تمارسها مجموعة من الأطباء والصيادلة، أطلقت نقابة الأطباء بحلب مبادرة هي الأولى من نوعها على مستوى القطر، حيث خصصت 10 أرقام خلوية لأطباء اختصاصيين للرد على كافة الاستفسارات المتعلقة بوباء كورونا والاستجابة لأي حالة مستعجلة.

وذكر الدكتور صفوان زعيتر، نقيب الأطباء بحلب، أن تخصيص الأرقام لنخبة من الأطباء، في الاختصاصات الداخلية المختلفة، ممن يتعاملون مع مرضى الفيروس، يأتي في اطار جهود فرع حلب في النقابة للمشاركة بإجراءات التصدي لوباء COVID-19 المستجد، جاء بناء على رغبة الأطباء أنفسهم في المشاركة بنشر الوعي لدى عامة الناس، وممن لديهم أعراض وهواجس الاصابة بالفيروس.

 

أخيراً..

مما تقدم، يتضح جلياً وجود الكثير من حالات الخلل والقصور في الإجراءات المتخذة، بالتزامن مع غياب الوعي وعدم ادراك خطورة المرض من قبل المواطنين، وأدى ذلك إلى انفجار الوباء على هذا النحو المخيف والواسع.

وأمام هذا الامتداد الخطر للوباء، وارتفاع مؤشر الإصابات والوفيات، ينبغي إعادة النظر في كل الإجراءات الوقائية المتخذة واتخاذ كل التدابير المطلوبة للتخفيف من انتشار الفايروس، وذلك بالتوازي مع القيام بحملات النظافة والتعقيم للأحياء والساحات والشوارع والمرافق العامة، ومنع التجمعات ونشر الوعي في صفوف المواطنين؛ ولعل الأهم تشديد الرقابة على عمل العيادات والمشافي الخاصة وعلى عمل الصيدليات لوضع حد لحالات الجشع والاستغلال التي يمارسها البعض من عديمي الضمير والإنسانية.