العودة إلى المدارس.. ما حدث خلال جائحة الإنفلونزا الإسبانية!!
” البعث الأسبوعية ”
ما زالت قرارات تأجيل الدراسة بسبب كورونا تصدر في عدد من دول العالم مع اقتراب العام الدراسي الجديد، لكنّ دولاً أخرى أعلنت استكمالها بصورة عادية، ما يدفعنا للتساؤل: ماذا قد يحدث إذا ذهب الطلاب إلى المدرسة خلال جائحة صحية؟ التاريخ قد يساعدنا في معرفة إجابة حدث لم نشهده بعد، تعال لنعرف ماذا حدث عندما ذهب الطلاب إلى المدرسة جائحة الإنفلونزا الإسبانية.
جائحة 1918
خلال الجائحة التي قتلت نحو 5 ملايين شخص في العالم، قررت الغالبية العظمى من مدارس العالم والولايات الأمريكية إغلاق أبوابها، لكنّ ثلاث مدن في الولايات المتحدة قررت إبقاء مدارسها مفتوحة، وهي: نيويورك وشيكاغو ونيو هيفن.
لكن لماذا لم تغلق مدارس 3 ولايات أمريكية خلال الجائحة؟ استندت قرارات مسؤولي الصحة في تلك المدن غالباً إلى فرضية مسؤولي الصحة العامة بأن الطلاب أكثر أماناً وأفضل حالاً في المدرسة. وكانت تلك في النهاية ذروة العصر التقدمي، مع التركيز على النظافة في المدارس ووجود المزيد من الممرضات لكل الطلاب أكثر من المتوقع الآن.
كان في نيويورك ما يقرب من مليون تلميذ عام 1918، حوالي 75% منهم يعيشون في مساكن مزدحمة، غالباً ما تكون ظروفها غير صحية.
لكن السلطات وفرت بيئة أكثر صحية في مباني المدارس عن منازلهم ومساكنهم، إذ قدمت للطلاب من المناطق المزدحمة بيئةً نظيفة وجيدة التهوية، حيث نفذ المعلمون والممرضات والأطباء بالفعل – ووثقوا – عمليات تفتيش روتينية طبية.
وللعلم، فقد كانت المدينة واحدةً من أولى المدن التي ضربتها الإنفلونزا ومن أشد بؤر المرض تفشياً، وفقاً لما قاله المؤرخ الطبي ومدير مركز تاريخ الطب بجامعة ميشيغان الدكتور هوارد ماركيل.
لذلك من المنطقي أن “يترك الأطفال منازلهم غير الصحية غالباً إلى المباني المدرسية الكبيرة والنظيفة ومتجددة الهواء، حيث يوجد دائماً نظام للتفتيش والفحص”، كما قال دكتور رويال كوبلاند، مفوض الصحة في نيويورك آنذاك عن الأوضاع بعد بلوغ الوباء ذروته هناك.
النظام في المدارس كان أكثر صحية حتى من منازلهم، حيث لم يُسمح للطلاب بالتجمع خارج المدرسة، وكانوا ملزمين بإبلاغ معلميهم فوراً، كما فحص المعلمون الطلاب بحثاً عن أيّ أعراض للإنفلونزا، وعُزل الطلاب الذين ظهرت عليهم الأعراض.
وإذا كان الطلاب يعانون من حمى، سيأخذهم شخص من وزارة الصحة إلى المنزل، وسيقرر المسؤول الصحي ما إذا كانت الظروف مناسبة لـ “العزل وتلقي الرعاية”، أو يُرسلون إلى مستشفى في حال لم تكُن الظروف مناسبة.
كما طلبت وزارة الصحة من أسر الأطفال الذين يتعافون في المنزل إما أن يكون هناك طبيب أسرة، أو أن يستعينوا بخدمات طبيب الصحة العامة المجانية.
أما بالنسبة للولاية الثانية التي لم تغلق مدارسها (شيكاغو)، فقد كانت الذريعة لترك المدارس مفتوحة لـ 500 ألف طالب هي ذاتها: إبقاء المدارس مفتوحة سيُبقي الأطفال بعيداً عن الشوارع والبالغين المصابين، وهكذا اختفى المنطق.
وإذا كان التباعد الاجتماعي مفيداً في ذلك الوقت، لأصبح أسهل من خلال حقيقة أنّ الغياب في المدارس ارتفع خلال الجائحة، ربما بسبب ما أطلق عليه أحد مسؤولي الصحة العامة في شيكاغو “رهاب الإنفلونزا” بين الآباء. إذ قال ماركيل: “كان معدل الغائبين مرتفعاً للغاية، ولم يكن مهماً حقاً”.
ووفقاً لورقةٍ بحثية نشرتها وزارة الصحة بشيكاغو عام 1918، كان جزء من استراتيجية شيكاغو هو ضمان توزيع الهواء النقي، إذ رُفِعَت درجة حرارة حجرات المدرسة خلال الشتاء بشدة، بحيث يمكن أن تظل النوافذ مفتوحةً طوال الوقت.
وخلصت الورقة إلى أن تحليل البيانات أظهر أن “قرار إبقاء المدارس مفتوحة أثناء وباء الإنفلونزا الأخير كان مبرراً”.
هل كانت النتائج إيجابية؟
أشاد كوبلاند باستراتيجية ولاية نيويورك بترك المدارس مفتوحة لطلاب الولاية المليون، وقال لصحيفة New York Times: “كم كان أفضل بكثير أن يصبح الأطفال تحت المراقبة المستمرة لأشخاص مؤهلين بدلاً من إغلاق المدارس”.
أما ماركيل الذي كان ضمن باحثين آخرين في البيانات والسجلات التاريخية أثناء مناقشة طريقة استجابة 43 مدينة للجائحة، عام 1918، فلم يكن مقتنعاً، إذ قال إنّ “نيويورك لم تكُن الأسوأ، ولكنها لم تكُن الأفضل أيضاً”، مضيفاً أن أداء شيكاغو كان أفضل قليلاً.
كما أشار إلى أنّ الأبحاث أظهرت أنّ المدن التي طبقت الحجر الصحي والعزل وإغلاق المدارس وحظر التجمعات العامة كانت الأفضل، وأردف: “أداء المدن التي نفذت أكثر من إجراءٍ واحد كان أفضل، وكان إغلاق المدارس جزءاً من هذه المساهمة”.
مع هذا، يسارع خبراء الصحة العامة، بمن فيهم ماركيل، إلى الإشارة إلى أن كوفيد-19 ليس الإنفلونزا، التي كانت مرضاً معروفاً في عام 1918. وما يزال هناك الكثير لنتعلمه حول فيروس كورونا الجديد وأسبابه.
إذ يقول ماركيل إن القرار الصائب اليوم هو إغلاق المدارس: “أن تكون آمناً أفضل من أن تندم”.