رائحة الغار تفوح من حلب منذ 4 آلاف عام
“البعث الأسبوعية” ــ معن الغادري
لا تغادر رائحة الغار أجواء حارات وشوارع حلب حيث أسواقها القديمة تغزل في فضائها العبق قصة صناعة قديمة قدِم المدينة، وعمرها أكثر من ألفي عام قبل الميلاد، توارثها الأجداد والآباء والأحفاد لتشكل صناعة يدوية وشعبية مهمة ذاع صيتها في أرجاء المعمورة.
صناعة صابون الغار الحلبي أو “ذهب حلب الأخضر” – كما يحلو للحلبيين تسميته – لا تزال تتربع على عرش الصناعات التقليدية في حلب، وتضاهي في جودتها أفضل وأنقى أنواع صناعات الصابون في العالم، إذ يتكون “الغار” الحلبي من زيت الزيتون كمكون أساسي يتم مزجه بمواد متجانسة مثل الصودا القلوية، وزيت الغار الطبيعي، ومواد أخرى معطرة مفيدة تسهم في فتح مسامات الجسم وتحافظ عليه، ثم يتم خلطه وطبخه بدرجات حرارة عالية، حتى يتجانس الخليط ويتصبن.
ويترك الخليط أياماً عدة ثم يتم إخراجه ووضعه في أماكن تسمى “المباسط”، حيث تتم عملية بسط الصابون وتحديد حجم قطعة أو لوح الصابون المراد تقطيعه، بعد أن يبرد الخليط، وتطبع ماركة المصّنع تمهيداً لبيعه وتصديره.
عادت هذه الصناعة العريقة عقب تطهير حلب من الارهاب إلى صدارة الصناعات اليدوية والتقليدية في المدينة، بأنواع ومواصفات وأحجام مختلفة، وبأسعار مرتفعة جداً، نتيجة ارتفاع تكاليف مدخلات إنتاجها كما غيرها من الصناعات؛ ومع ذلك بقي صابون الغار الأكثر إنتاجاً وطلباً في الأسواق.
صفوان زنابيلي، أحد أبناء مهنة صناعة الصابون التي ورثها عن عائلته، منذ أكثر من مئتي عام، أشار إلى أنه قبل الحرب الإرهابية، كانت مدينة حلب ومحيطها تضم حوالى مئة ورشة لصناعة صابون الغار، ويبلغ إنتاجها ثلاثين ألف طن سنوياً تقريباً. وخلال سنوات الحرب الإرهابية، غادر معظم مصنعي الصابون مدينتهم، ما أدى إلى تراجع الانتاج إلى ما دون الألف طن.
يضيف زنابيلي: استعادت صناعة صابون الغار عافيتها تدريجياً، وزاد انتاجها ليصل حالياً إلى أكثر من 15 ألف طن سنوياً، متوقعاً أن يزداد الإنتاج إلى الضعف خلال الفترة القادمة مع انتظام الحياة الاقتصادية في حلب، وزيادة العرض والطلب ومؤشرات النمو.
وعن سبب ارتفاع أسعار الصابون، يوضح زنابيلي أن ارتفاع تكلفة الإنتاج واليد العاملة انعكس على ارتفاع سعر المنتج، مؤكداً أن الأسعار دائماً ترتبط بجودة المنتج والمواد المكونة له.
وختم بالقول إن صناعة صابون الغار تعرضت إلى أضرار بالغة، وإلى دمار وخراب معظم مصابن ومعامل الصابون وسرقة محتوياتها وآلاتها، وهي الآن بحاجة ماسة إلى دعم لكي تستعيد هذه المهنة والصناعة التقليدية عافيتها كما كانت سابقاً، والحفاظ على هذا التراث الذي ينتمي إلى تاريخ وعراقة عاصمة الصناعة.. حلب.