تحقيقاتصحيفة البعث

وسواس النظافة و”كورونا”..هوس باستخدام المعقمات..ومضاعفات صحية “لاتحمد عقباها”؟!

حالات كثيرة وصلت إلى عيادات الأطباء النفسيين بعد إصابتهم بمرض تفاقم خلال الأشهر الأخيرة نتيجة انتشار فيروس كورونا، فكثرة الشائعات والمخاوف جعلت الكثير من الأشخاص في حالة تخوّف دائم من انتقال العدوى لهم، ما دفع بهم للقيام باستنفار على مدار اليوم لإجراء التعقيمات والتنظيفات التي وصلت بهم إلى حد الهوس والوسواس القهري المرافق لهم إلى أسرة نومهم، فكثير من الحالات التي وصلت إلى الأطباء لم تندرج تحت بند التعقيم المعقول ضد انتقال العدوى بل على العكس بات الأمر يشكل خطراً على صحتهم النفسية وعدم قدرتهم على مخالطة الأشخاص والتحدث إليهم وصولاً إلى الكآبة والعزلة التامة…
تعقيم وتفريط
سلوكيات مختلفة تم اتباعها وصلت إلى حد اهتراء أجسادهم من كثرة التعقيم، إذ لم تتوقف الإجراءات الوقائية عن معظم الناس على التباعد الاجتماعي وارتداء الكمامة وتعقيم اليدين كل فترة، بل تعداه إلى شراء مواد تنظيف وتعقيم أضعاف مضاعفة عمّا كانوا يشترونها في السابق وصلت بالكثيرين إلى الاستدانة وتحميل أنفسهم مبالغ هائلة تندرج تحت بند التعقيم، وفي حالات أخرى وصل الوسواس القهري بهم إلى عدم القدرة على النوم أو التركيز في عملهم نتيجة انشغال تفكيرهم بالتعقيم وتطهير المكان عدة مرات في الساعة الواحدة، فنوبات من الهلع والشكوك سيطرت على عقول المواطنين تحمل مئات إشارات الاستفهام حول طريقة التطهير الأصح وهل ما يقومون به من إجراءات كاف أم لا وفيما إذا أصيبوا بالعدوى كيف يحجرون أنفسهم بعيداً عن المسنين في المنزل خوفاً من نقل العدوى لهم وهم يعانون من نقص المناعة وكيف سيتخلصون من عقدة الذنب التي سترافقهم طوال حياتهم في حال نقل المرض لهم…وغيرها من التهيؤات التي وصلت بالكثيرين إلى حجر أنفسهم رغم عدم إصابتهم بالفيروس.
اكتئاب
أجمعت الدراسات الحديثة أن انتشار فيروس كورونا رفع معدلات الاكتئاب في جميع أنحاء العالم خاصة خلال فترات الحجر الصحي التي فرضتها الدول للحد من انتشار الإصابة بالفيروس، وأشارت الدراسات أيضاً أن الإفراط في موضوع التعقيم والنظافة قد يكون مرتبطاً بارتفاع معدلات الاكتئاب، فهوس النظافة يعيق قدرة دماغنا على إنتاج بعض المواد الكيميائية التي تجعلنا سعداء، مثل السيروتينين، ما يتسبب بالاكتئاب، وأشارت الدراسة إلى أن معدلات الاكتئاب أعلى جداً في العالم الغربي منه في الدول الفقيرة لأن نظام المناعة عند الناس أقل تدرباً للتعامل مع البكتيريا، وقال أحد الباحثين “نعتقد أن نظام المناعة يتسبب بالاكتئاب، ففيما ينمو الناس يتطور نظام المناعة لديهم وإذا تعرضوا لبكتيريا وطفيليات أكثر يصبح جسمهم أكبر قدرة على السيطرة على الالتهابات، وأشارت الدراسة إلى أن وساوس النظافة تكون ناتجة عن شعور الإنسان بالذنب وتهديدات للذات فيحاول الهروب منها بما يمارس من أفعال قهرية، ولفتت إلى أن الإنسان يدرك أن ما يقوم به تافهاً إلا أنه يجد نفسه مجبراً على القيام بها فيما يعرف باضطراب الوساوس القهرية.
أفكار قهرية
أفعال وتصرفات لا يمكن تصورها يقوم بها المهووسين بالنظافة، إذ تجد رشا شعبان”علم اجتماع” أنه مع ازدياد انتشار فيروس كورونا ازدادت الأساليب القهرية للتعقيم عند هؤلاء الأشخاص الذين أصبحوا مرضى نفسيين لا مرضى كورونا، ففي كثير من الحالات وصلت بالأب أو الأم إلى النفور من أقرب الناس إليهم وهم أبناؤهم خوفاً من أن يكون الطفل حاملاً للعدوى وينقلها له، كذلك وجدنا حالات أخرى تغسل العملة الورقية وتنشرها، وآخرون استغنوا عن الأطباق الزجاجية بأخرى كرتونية خوفاً من العدوى، وأغلب تلك الحالات تعاني من كآبة مفرطة وعدم قدرة على تقبّل الحياة بل على العكس في حالة انتظار وترقب للموت بالرغم من جميع احتياطاتهم التعقيمية، وأضافت شعبان أن وساوس النظافة يكون ناتجا” عن شعور الإنسان بالذنب وتهديدات للذات فيحاول الهروب منها بما يمارس من أفعال قهرية، ولفتت إلى أن الإنسان يدرك أن ما يقوم به تافهاً إلا أنه يجد نفسه مجبراً على القيام به، فيما يعرف باضطراب الوساوس القهرية ، وهذه الوساوس قد تتخذ شكل الأفكار القهرية أو الخيالات القهرية أو سلوكيات قهرية حيث تصل إلى المرض الحقيقي حيث يعاني ذلك الشخص من وساوس نظافة واضطراب في شخصيته مما يؤدي به إلى إرهاق من حوله، خاصة وأنه لا يعترف بأنه مريض وأن لديه مشكلة، الأمر الذي يؤدي في حال الحياة الزوجية إلى الطلاق وفي حالات فردية إلى الانتحار نتيجة الكآبة المفرطة واليأس والتعب من هذه السلوكيات التي التي تقود صاحبها إلى إيقاف هذه التصرفات بالقوة عن طريق انهاء حياته، وتعتبر هذه الدرجة من أخطر حالات الهوس والتي يجب البدء بمعالجتها عند الأطباء النفسيين وملاحقتها بشكل مبكر قبل فوات الأوان.
ميس بركات