الصفحة الاخيرةصحيفة البعث

حكايات زرقاء

سلوى عباس

كتب لها: أي حقيقة تبدأ بحلم، وما من إنسان بالدنيا يمكنه أن يمنعك من الحلم أو أن يصادره، لأن هناك عالماً آخر لازالت متاحة فيه الأماني، وعندما أكتب إليك لا أتعامل معك برسالة وجوابها، فأن يتعامل الإنسان مع أنثى حقل ألغام مسألة ليست سهلة، لأنني أحتاج أن أدخل عالمك وأحيا معك نبض اللحظة كما تعيشينها، لكن كيف ذلك وبواباتك موصدة، وحقول ألغام لا تنتهي تمتد أمامي.. هناك فرق كبير بين أن أندفع مرة واحدة وأضم حقل ألغامك موتاً آخر بانفجار أحدها فينثرني في فضائك عبث اللحظة، وبين أن أقترب رويداً رويداً وأحتضن كل لغم لوحده.. فأنا عاشق تفكيك ألغام تحمل عبق الياسمين وتنبض ملء القلب.. هناك نشوة أخرى أن يضع المرء قلبه بين يديه ويراه كيف يرتعش في لحظات الخوف.. يتبدى المشهد بشهقة وجبين يقطر قطرات باردة تطفئ لهيب الحذر.. و”تكتكات” لغمك تهمس موتي.. قد أنجح وقد أفشل.. وأعتقد أنه ما من عاقل يدخل مغامرة وهم ينبئ أنه سيموت.. ومن يدخل هكذا مغامرة يكون مؤمناً أنه سيعيش ولن يموت.. وبحالة كهذه يعيش انفجار لغم واحد كل مرة.. حالة فيها تصعيد جنوني جميل ورائع ويضحى بالعقل من أجله.. وأنا مازلت مشرعاً روحي إليك، ولكن ضمن المساحة المخصصة لي إذا بقيت.

****

لا أخفيك.. جربت الأوهام من قبل ولم تفلح في وقف ذلك الصداع الذي كان ينتابني حين تلفحني الحقيقة برائحة أنثى.. فكرت بيني وبين نفسي أنه حتى في الجحيم نكهة ثانية.. نعم، لكلٍ منا جحيمه الخاص به، لكن المسألة كيف يعيش هذا الجحيم.. وأنا بحكم خبرتي في مملكة هذا الجحيم أرى أنه لابد أن أمتلك إيماناً خاصاً بي لأخرج بروحي سالماً من ألسنة الجحيم، فأطلقي روحك في فضاء الأبدية.. لا تتوقفي.. دائماً هناك غد نصنعه نحن وليس أحد آخر.. لا تنتظري أحداً أن يمد لك يد العون.. عليك بنفسك حتى ولو كنت في الجحيم.. اخلقي الدافع والقوة من تحت الأرض.. من جمر النار، فللأسف أنت لا تعرفين البحر ومازلت تخافين أن تتسرب مياهه بين أصابع قدميك.. تخافي أن تفتحي رئتيك أكثر وتأخذي شهيقاً آخر.. تخافي أن يجرفك معه.. ليتك تستطيعين أن تعيشي أحلامك وأن تطلقي روحك إلى فضاء الأبدية ولا تتوقفي، لأن الغد قادم ونحن من نصنعه.

****

في هذا اليوم حضرت في ذاكرتها تلك الطفلة التي كانت تنام وراء الحلم جاهلة في الحياة حقيقتها المخاتلة.. استذكرت تعاليم أمها التي كانت تسربها لها عبر حكايات ما قبل النوم، بدءاً من حكاية ليلى والذئب الذي يتربص بها، وصولاً إلى حكاية الفتاة التي سيأتي يوماً وتستبدل شرائط جدائلها الملونة بأزاهير الطفولة وعفوية لحظاتها، بشرائط ملونة بألوان الحياة المختلفة.

مر الزمن وكبرت هذه الطفلة واختلفت الحياة بالنسبة لها.. استبدلت جواز سفرها الطفولي بآخر مليء بالأحلام والطموحات.. رفعت مرساتها باتجاه شاطئ آخر لتكون ابنة الحاضر والمستقبل، لكن الحياة  أخذتها في مساربها المتعرجة، وتركتها هائمة في الحياة كيمامة ضلت طريق عشها، يتلبسها حزن مطبق على روحها، كلما حاولت الإفلات منه زادت الحبال حولها تشابكاً، وحكايات أمها وما اختزنت في ذاكرتها من تفاصيل براءتها لم تنقذها من كذب الآخرين عليها، وسرقتهم لسنين من عمرها، والحظ الذي خانها مرات ومرات.. حاولت التحرر من رواسب نفسها، وتعيش لغدها الذي أصبحت فيه أغنيات فيروز هي من تهدهد روحها، فكانت تغفو وتصحو على صوتها.

هي مشاعر انتابتها في لحظة من عمر الزمن، لترى حياتها شبيهة بحكاية فيروز التي قرأتها “بكتب زرقة.. عن حلواية بتشكي الفرقة قصتها أبكتها وأخذتها بدنيا لا تدري من يومها ماذا حصل لها”.