ثقافةصحيفة البعث

“صبايا” برنامج استعراضي بلبوس مسلسل

يُعرض على قناة “سورية دراما” مسلسل “صبايا ج 2” تأليف نور شيشكلي- مازن طه، إخراج فراس دهني- ويدور حول عدد من الفتيات اللواتي يشتركن في السكن وانعدام المعنى والخلو من الهموم، أُنتج العمل عام 2010، وتمّ عرضه مرات عدة.

هناك مسافة شاسعة بين الفكرة “التي كان من الممكن لها أن تكون أفضل”، والمعالجة للنص وبين محاولات الكوميديا التي ينسفها تماثل الأداء وتطابقه بين الشخصيات الخمس.

بالنسبة للفكرة، لا ضير من عمل –لايت- يعرض لمجتمع شبابي، وهموم الشباب في قالب كوميدي، مع زيادة جرعة الترويج وفق ميزة الوجه الجميل، من منا ينسى الأفلام الرومانسية المصرية، والتي كان عمادها الفني وجوه جميلة تناسب الأجواء الرومانسية، لكن المشكلة مع –الصبايا- هو ضعف الحبكة والاستسهال في بناء الأحداث، ووضع الثقل كلّه على وجود بعض النجمات، وقيامهن بأي شيء، والكلام عن أي شيء، ليجلس الجمهور ويتفرج، وهذا وحده لا يكفي، بساطة القصة وسطحيتها، تجعل من الكافي بالنسبة للجمهور أن يرى صوراً فوتوغرافية ثابتة للصبايا، بل إن الحركة والحوار يُزعجان عملية المشاهدة!.

يمكن اختيار الحلقة الثانية من الجزء الثاني للمسلسل كعينة للوقوف على ضعف الفكرة، واحدة من الصبايا وهي نجمة “ميديا- جيني أسبر” أطلقت أغنية مصوّرة على طريقة الفيديو كليب، ثم فوجئت وهي تزور الصبايا، وأثناء جلوسها معهن ومشاهدة التلفزيون، بأن هناك في البرنامج التلفزيوني مطربة أخرى على شاكلتها “حسنة– دانا جبر”، تتهمها بسرقة الأغنية منها، وتحاول أن تحصل في البرنامج نفسه وخلال اللقاء، على اعتراف من الشاعر صاحب الكلمات، بأنه أعطاها الكلمات لها، تنتقل الكاميرا إليه، فيظهر في فراش احتضاره في المشفى يلفظ أنفاسه الأخيرة؛ تفصيل كهذا ينسف الفرضية الكوميديّة من أساسها، فموت إنسان ليس موضوعاً للضحك!.

قبل ذلك بقليل وبالتزامن مع حرب الملكية الفكرية بين المطربتين، حول الأغنية، تكون جارتهم “هزار- نبال الجزائري”، تصنع لزوجها “قدري- محمد خير الجراح” طعام الغداء، ثم يقول بأن الطعام مالح زيادة، فيأخذ صينية “الكفتة” بذريعة ذلك ويتجه إلى بيت الصبايا ليثبت لزوجته بأن الملح الزائد في الطعام ليس رأياً خاصاً به، بل يقين ستشهد عليه “الصبايا”، مستنداً في مشروعه البحثي بأنه على علاقة جيدة بإحداهن، يبدأان بالأكل، وهنا يتطابق الزمن في المشهد، مع الزمن الواقعي الذي يستغرقه أكل صينية “كفتة”! ماذا عن الحرب بين النجمتين؟ تذهب “ميديا” وتعقد مؤتمراً صحفياً لتردّ على شائعات غريمتها، هنا يصبح الموضوع عن صحفي انتهازي يدّعي أنه يعمل لدى عدة وسائل إعلامية، الأحداث تنتقل بطريقة استطرادية مثل كرة بلياردو تصيب كرة أخرى، ثم الأخرى تصيب كرة ثالثة وهكذا!.

الصبايا الخمس يظهرن كأنهن يقلدن ممثلة سادسة لا نراها، لأن الأداء لا ينطلق من نصّ ما، بل وفق حالة من الميوعة، هي السمة المميزة للمسلسل، ومما يضاعف هذه المشكلة، أن الشخصيات كلها لا تواجه مشكلاتها بجدية، لأنها وعند التحقّق منها، تظهر أنها ليست مشكلات أصلاً، الديكور والأداء واللهجة، تقدم ملامح لشخصيات لا تعرف لماذا تعيش وماذا تريد!!.

عند محاولة تمييز المسلسل عن برامج الاستعراض، تظهر الحدود متداخلة، فالحبكة قريبة من مزحة يحدث ارتجالها، لأنها لم تخضع لأي تفكير أو تأمل مسبق، والتطابق في الأداء والحركات وردود الأفعال، يجعل من الشخصيات نسخاً متكررة، كأنها تحاول مراعاة شروط البرنامج وتفاصيله وليس الالتزام بنصّ واضح ذي معنى.

وعند النظر إلى الدراما كحالة ثقافية اجتماعية، فإن هذه النوعية من الأعمال التي يصعب تصنيفها، قد تتحوّل إلى قدوة للشريحة المطابقة من المجتمع، وهي شريحة الفتيات الجامعيات في هذه الأعمار، فما السلوك والقيم التي يقترحها العمل؟ أولاً التصنّع والابتعاد عن العفوية، فليس من المعقول الحرص على الملابس لهذه الدرجة داخل البيت، ويقترح أيضاً حياة وردية سهلة من دون أي جهد! كما أنه –وهذا الأخطر- يلغي الفردية الشخصية، والتمايز بين البشر، فيحاول أن يقترح قوالب جاهزة نمطية، ونسخاً متكررة للجميع!.

كيف من الممكن أن يكون مسلسل كهذا قد بدأ كفكرة أو كبذرة أولية؟ ثم كيف من الممكن أن يكون المخرج قد قام بتوجيه الممثلين، ليحصل منهم على الأداء نفسه؟.

فوق كل ذلك ولكي ينفصل العمل عن الواقع تماماً، نرى فيه أشياء لا تحدث حولنا في الحياة، ولا يمكن أن تظهر إلا في هذا المسلسل، برنامج تلفزيوني لمطربة تتهم أخرى بسرقة أغنيتها، فمتى رأينا مثل ذلك على التلفزيونات المحلية؟ ونجمة تنزل من سيارتها إلى المؤتمر الصحفي، بينما أحد الصحفيين يندفع لتغطية مباشرة ويقفز على الباب، بعد أن يصف عجلات السيارة!.

هل يُعقل أن تصل البساطة بالزوجة، أن تذهب مع زوجها إلى فتيات في شقة مجاورة، للحصول على حكم نقدي بخصوص طبختها؟ الشخصيات تبدو معتوهة بهدف الإضحاك، الذي من المستحيل أن يتحقّق لأن الجمهور لا يضحك على شيء غير مقنع.

تمّام علي بركات