أجندة ترامب القادمة: “إنهاء اعتمادنا على الصين”
عناية ناصر
كشفت حملة الرئيس الأمريكي دونالد ترامب عن الأجندة المطروحة لولايته الثانية، وهي “إنهاء اعتمادنا على الصين” والتي ستعتبر، بحسب مراقبين، أحد أهداف ترامب العشرة في فترة الولاية الثانية، والهدف منها هو إعادة مليون وظيفة من الصين.
لكن في واقع الحال ليست الصين هي التي سرقت الوظائف الأمريكية، ولكن السبب الأساسي لفقدان الوظائف الأمريكية هو تفريغ الصناعات الأمريكية، فقد اختارت العديد من الشركات الأمريكية إنشاء مصانع في الصين لأن الظروف أفضل من تلك الموجودة في الولايات المتحدة، وهذه هي المنافسة العادلة القائمة على قواعد اقتصاد السوق العالمي.
إذا أُعيد انتخاب ترامب، فسوف يتعامل أولاً مع التحديين الرئيسيين: السيطرة على COVID-19، والانتعاش الاقتصادي بعد أن فشل في قدرته على حلّ أي من هذين التحديين سابقاً، ما يعني أنه من الصعب أن نتوقع من الولايات المتحدة، كما قالت حملة ترامب في جدول الأعمال، “العودة إلى طبيعتها في عام 2021” و”خلق 10 ملايين وظيفة جديدة في غضون 10 أشهر”، وبالتالي تبدو هذه الأهداف وكأنها صعبة المنال.
مع إعلان شعار “إنهاء اعتمادنا على الصين”، حاولت حملة ترامب فجأة تحميل الصين المسؤولية الكاملة عن السماح للفيروس بالانتشار في جميع أنحاء العالم، وهذا يشير إلى أن فريق ترامب يخطّط لمواصلة استهدافه للصين في الولاية الثانية إذا أُعيد انتخابه. لكن من خلال لعب ورقة إلقاء اللوم على الصين، لا يقوم ترامب فقط بتحويل الاهتمام المحلي وجذب التأييد، ولكن أيضاً يلبي أصوات الصقور وجماعات المصالح المحلية المناهضة للصين. بعبارة أخرى، توصل الحزب الجمهوري إلى درجة عالية من الإجماع حول سياسة ترامب تجاه الصين.
ومع تفشي الفيروس في الولايات المتحدة، لن يتخلّى ترامب بسهولة عن تكتيك إلقاء اللوم على الصين لأنه يبدو تكتيكاً ناجحاً. وإذا أُعيد انتخابه، فمن المتوقع أن يستمر في استخدام الوباء وعوامل أخرى كذرائع لاستهداف الصين. وإضافة إلى استهداف الصين، يواصل ترامب أسلوبه السياسي المعتاد مع قضايا أخرى على جدول الأعمال. على سبيل المثال، تتضمّن الأجندة “إقناع الحلفاء بدفع نصيبهم العادل، وتعليم التميّز الأمريكي في التعليم، وتجفيف مستنقع العولمة من خلال مواجهة المنظمات الدولية التي تؤذي المواطنين الأمريكيين، ومنع الشركات الأمريكية من استبدال المواطنين الأمريكيين بالعمال الأجانب”.
إستراتيجية حملة ترامب الانتخابية في الأساس هي نفسها التي كانت عليها قبل أربع سنوات، إنه يحاول إعادة إنتاج المعركة الناجحة في عام 2016 من خلال الاعتماد على دعم ناخبيه الأساسيين، والسبب وراء هذه الإستراتيجية هو أنه في ظل التحديات المتعدّدة للوباء والصعوبات الاقتصادية والتوترات العرقية يتعيّن عليه الاستمرار في المخاطرة واحتضان قوى اليمين المتطرف. لكن المشكلة هي أن الوضع الحالي بين الحزب الجمهوري والحزب الديمقراطي مختلف عما كان عليه قبل أربع سنوات، لأنه من الواضح أن القوة المعارضة لترامب وتماسك الحزب الديمقراطي أقوى مما كان عليه قبل أربع سنوات. في عام 2016، ربما وجد الناخبون الأمريكيون أن سياسات ترامب المحافظة جذابة، لكن بعد أربع سنوات من الممارسة، قد لا تكون أجندة ولاية ترامب الثانية جذابة للناخبين، وخاصة الناخبين المتأرجحين والمستقلين. قد يؤدي الاستمرار في مثل هذه الأجندة المتطرفة والمحافظة إلى نتائج عكسية.
كان للسياسة الهستيرية للحزب الجمهوري تجاه الصين تأثير معيّن على الحزب الديمقراطي. على سبيل المثال، مقارنة بمؤتمر الحزب الديمقراطي لعام 2016، تمّت إزالة مبدأ “صين واحدة” في إصدار 2020 الذي تمّ نشره في 18 آب الماضي، حيث يذكر إصدار 2020 أيضاً “العمل مع حلفائنا للوقوف في وجه الصين”، وهنا يتنافس الطرفان على من يمكن أن يكون أكثر صرامة بشأن الصين.
الأجواء الحالية للولايات المتحدة تجاه الصين في أسوأ حالاتها منذ نهاية الحرب الباردة، وهذا لا ينعكس فقط في الموقف المتشدّد للحزبين، ولكن أيضاً في تغيير الرأي العام الأمريكي تجاه الصين. ووفقاً لمسح أجراه مركز “بيو” للأبحاث في 30 تموز الماضي، قال 73 في المائة من البالغين الأمريكيين إن لديهم وجهة نظر غير مواتية للصين، وهي أعلى نسبة منذ عام 2005. هذا مظهر من مظاهر التغيير الكبير في نظرة المجتمع الأمريكي إلى الصين.
وبالتالي، بغضّ النظر عن الحزب الذي سيصل إلى السلطة، فإن سياسة الولايات المتحدة تجاه الصين لن تخضع لتغيير جوهري، حيث يكمن الاختلاف بين الحزبين في الطريقة التي يتصرف كل منهما تجاه الصين، ما يعني أنه في المستقبل، ستستمر المنافسة الإستراتيجية بين الصين والولايات المتحدة في التصاعد وسيظلّ خطر نشوب حرب باردة جديدة قائماً، وستدخل العلاقات الصينية الأمريكية فترة من عدم اليقين الشديد.