الصراع الخفي والعلني بين تركيا وفرنسا
ريا خوري
ما زالت فرنسا تحلم بإعادة مجدها في الشرق الأوسط من جديد، فهي الآن تستخدم دبلوماسية جديدة ربما تجد القبول عند البعض، وتركيا هي الأخرى تريد أن تعيد سيطرتها وحكم عسكرها ومجد العثمانيين عن طريق استخدام دبلوماسية المدفع والنار وأذرعها الخطيرة “الجماعات الإرهابية”.
قبل فترة وجيزة هاجم العثماني أردوغان الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون، هذا الهجوم الذي وُصف بأنه ردّ فعل شخصي لشعور العثماني الجديد بالانزعاج من موقف فرنسا القويّ والصارم في وجه ممارسات تركيا في شرق البحر الأبيض المتوسط، واعتداءاتها المتكرّرة على قبرص واليونان، وإثارتها للعنف والإجرام والإرهاب في ليبيا.
إن وقوف فرنسا إلى جانب اليونان له أسبابه، فاليونان دولة من دول الاتحاد الأوروبي وهي تتعرّض للابتزاز من دولة من خارج الاتحاد، لكن يبدو أن الموقف الفرنسي الصارم ضد تركيا هو بشأن تدخلها في ليبيا، وليس فقط ضد اليونان. وبالطبع كل ذلك يمكن أن يكون وارداً، لكن إذا لم نأخذ الأمور من خارج سياقها الحقيقي الموضوعي، فإن ما بين الفرنسيين والأتراك أخطر وأعمق، وليس القصد هنا عمق التاريخ، وموقف الأوروبيين من الاحتلال العثماني لبلادهم وتهديده لدول أوروبا، ولا حتى تهديدات أردوغان المتلاحقة حول إغراق أوروبا بالمهاجرين والإرهابيين الذين درّبهم أردوغان في معسكرات بلاده، بل لأن فرنسا تعمل بكل إمكانياتها لتعزيز دورها في محيطها وما خلفه، ويقصد هنا دول شرق المتوسط، ودول أفريقيا.
لذلك فإن الصراخ والضجيج الذي أحدثه أردوغان خلال انتقاده للرئيس الفرنسي، يعكس بشكل خطير القلق التركي من الدور الفرنسي القادم في المنطقة بعد تخلي الولايات المتحدة الأمريكية عن لعب أي دور حاسم في الصراع في الشرق الأوسط، وخاصة في ليبيا التي ظهر فيها الموقف الأمريكي مثيراً للشك!.
وهنا لا يمكن الإغفال على الإطلاق أن فرنسا تريد استعادة مجد غابر، لهذا تركز الهجوم العنيف للعثماني أردوغان على ماضي فرنسا الاستعماري في أفريقيا وشمالها، وتحديداً في الجزائر، وكأنّ ما فعله الاحتلال العثماني في الدول العربية أقلّ بشاعة مما فعله الاستعمار الفرنسي؟.
إن تركيز الأتراك على أفريقيا يشير إلى جوهر وأهمية الصراع مع الفرنسيين، لهذا السبب يصدّر نظام أردوغان الإرهاب وينشره في تلك البقعة من الأرض، بهدف ترسيخ الوجود العسكري التركي فيها. صحيح أن الأتراك والفرنسيين يتقاطعان في لبنان، لكن لا توجد بين يدي أردوغان أوراق ضغط أو عوامل لعب قوية مع فرنسا سوى ليبيا. لذلك يتصوّر أردوغان أن الساحة مفتوحة في أفريقيا لمنافسة فرنسا، وخاصةً بغياب البريطانيين والأمريكيين عنها بشكل أو بآخر.
في الحقيقة قام أردوغان في وقت مبكر برعاية الإرهاب ودعمه دعماً كبيراً بالمال والسلاح والتدريب النوعي من الصومال، والآن يستكمل ذلك من خلال تكوين بؤرة أكبر وأخطر في ليبيا، وفرنسا هي الدولة الوحيدة التي تواجه تركيا في أفريقيا، وهذا سرّ الانفعال الكبير لفرنسا.
كما أن فرنسا تعلم بتفاصيل الانقلاب الذي حصل في مالي 18 آب 2020 وتعلم أن الراعي كانت تركيا، لذلك قامت باتخاذ موقف عملي قويّ في دعم قبرص واليونان عسكرياً في مواجهة الاعتداءات التركية، واتخذت موقفاً صارماً تجاه الأزمة في ليبيا، ورفضت تصدير أردوغان للإرهابيين، ما يعني أن هذا هو جوهر ومركز الخلاف الرئيسي بين تركيا وفرنسا.