بين المدرب المحلي والأجنبي.. سوء الاختيار تتحمله اتحادات الألعاب!
“البعث الأسبوعية” ــ عماد درويش
من غير المنطقي الحديث في جدوى “أيهما أفضل؟” في لعبتي كرة القدم والسلة (اللعبتان المحترفتان في رياضتنا): المدرب المحلي أم الأجنبي، في ضوء تعدد التجارب الفاشلة لكليهما؟ ولعل ما طرحه رئيس الاتحاد الرياضي العام مؤخراً من أن المكتب التنفيذي سمح للاتحادين بالتعاقد مع مدربين أجانب، فتعاقدت كرتنا مع التونسي نبيل المعلول، ولم توافق سلتنا على هذا الطرح، يوضح اتجاه رياضتنا في هذا الإطار.
ويسود كوادر هاتين اللعبتين انقسام ما بين مؤيد للمدرب المحلي الذي يكون على مقربة من الظروف المحيطة بأي لعبة أو ناد يدرب فيه، وما بين معارض يرى أن المدرب الأجنبي هو خيار تطوير أية لعبة، والقادر في الوقت نفسه على التعامل مع النجوم وصقل المواهب.
تجربة تاريخية
وإذا ما عادت بنا الذاكرة للماضي، نجد أن اللعبتين شهدتا على مر التاريخ الكثير من المدربين الأجانب الذين تعاقبوا على تدريب أنديتنا ومنتخباتنا الوطنية، لكنهم مع الأسف لم يقدموا بصمة تذكر، باستثناء قلة قليلة، وعلى رأسها الروسي أناتولي الذي كان الأفضل من حيث المدة التي قضاها بتدريب منتخبنا الكروي، واستمرت لست سنوات حققت خلالها كرتنا ذهبية المتوسط عام ١٩٨٧، وفضية كأس العرب عام ١٩٨٨، كما كان هناك أسماء مدربين كان لهم تاريخ في بلادهم لكنهم لم يصنعوا مجداً لكرتنا.
ولعل أهم إنجازات كرتنا تحققت على يد مدربينا المحليين، ومنهم المرحوم أفاديس كولكيان الذي أوصل منتخبنا للمباراة الفاصلة للتأهل لكأس العالم في المكسيك عام 1986، وأيمن الحكيم الذي كاد أن يكرر الأمر نفسه في مونديال روسيا ٢٠١٨، ونجح أيضاً حسام السيد في الفوز مع منتخبنا بلقب بطولة غرب آسيا عام 2012.
اختيارات غريبة
ولا يختلف الأمر كثيراً بالنسبة لكرة السلة، فالتاريخ يشير إلى أن أول مدرب أجنبي درب عندنا هو الروسي روزاروف الذي درب فريق أهلي دمشق (المجد حالياً)، عام ١٩٦٤، ليغيب بعدها المدربون الأجانب عن سلتنا حتى دورة المتوسط عام ١٩٨٧، حيث درب منتخبنا بالدورة الروسي فالديمير، وقصته لا تخلو من الطرافة، فهو بالأساس مدرب كرة يد، وتم التعاقد معه حينها لتدريب منتخب السلة، وعندما اكتشف الأمر أثناء مباريات المتوسط، وبعد الخسارة الأولى لسلتنا، تمت إقالته، وتم تعيين عبود عبوش مدرباً، وعين الروسي مساعداً له، وهذا يتحمله اتحاد السلة حينها والاتحاد الرياضي العام، لتعود الأسماء لتغيب مجدداً، حتى بداية عام ٢٠١٠، حيث تم التعاقد مع المدربين غوران ونيناد وماتيتش، وهم أيضاً لم يحققوا أي بصمة لسلتنا (مثل القدم)، فإنجازاتنا السلوية تحققت عبر مدربينا المحليين، ووصولنا لكأس العالم بالشباب، عام ١٩٩١، تحقق بفضل المدرب المرحوم راتب الشيخ نجيب، وكذلك بفضل المدرب المرحوم جورج زيدان الذي أوصل سلتنا الشابة لكأس العالم بهولندا عام ٢٠٠٩، وهذان المدربان أسسا جيلاً من اللاعبين كان لهم تاريخ مشرف.
وعلى الرغم من كثرة أسماء المدربين الأجانب الذين تعاقبوا على تدريب منتخباتنا الوطنية (القدم والسلة)، لم نشعر أن اللعبتين قد تطورتا. وقد يعود ذلك لعدة أسباب، منها، على سبيل المثال، سوء اختيار المدرب الكفؤ من قبل الاتحادات التي تعاقبت على رئاسة اللعبتين والقيادات الرياضية السابقة التي تعاقدت مع مدربين أصحاب رواتب متدنية، إضافة إلى أن الأمر المتعارف عليه أن كل هؤلاء المدربين لم يكونوا الرقم واحد في بلدانهم، بل كانوا مدربين من أدنى الدرجات، وهذا الأمر أثر على اللعبتين من كافة النواحي، حتى أن مستوى بعض اللاعبين كان أعلى من المدربين، والأمثلة كثيرة على ذلك..!
المحلي الأنسب
موضوع المفاضلة بين المدربين المحليين والأجانب تم طرحه على بعض مدربينا، حيث وصف المدرب الوطني بكرة القدم أحمد الشعار التجربة مع المدربين الأجانب بالجيدة، لكن في ذات الوقت مدربنا المحلي هو الأنسب لكرتنا، خاصة بالفئات العمرية الصغيرة.
وأضاف الشعار: جميع المدربين الأجانب الذين دربوا منتخبنا الأول لم يطوروا كرتنا، ولا أداء اللاعبين، أما المدرب المحلي – برأيي الشخصي – فهو الأفضل والأنسب لقيادة اللعبة بالفترة الحالية، وإذا ما تحسنت الظروف في المستقبل يمكن الاستعانة بالمدربين الأجانب. ومع الأسف فإن اتحاد الكرة السابق يتحمل جزءاً من مسؤولية عدم منح مدربينا الصلاحية الكاملة، خاصة عندما كان يجاري مواقع التواصل الاجتماعي التي لا يعجبها مدرب المنتخب، فتقوم بحملة عليه، وعلى إثرها سار الاتحاد السابق.. على العموم، أرى أن المدرب المحلي هو القادر على تطوير اللعبة شرط توفر سبل استمرارية عمله، فالمنظومة الكروية بحاجة للتغيير لكي تتطور اللعبة.
ولم يخرج المدرب طارق جبان عن هذا السياق، بقوله: الحقيقة، السؤال له شقان، فإذا كان وضعنا واحترافنا وتدريبنا وإمكانياتنا المادية ضعيفة، خاصة بالوقت الحالي، فأعتقد أن المدرب الوطني هو الأنسب لكرتنا، وفي حال كان لدينا دوري قوي ومحترف، بكل ما تعنيه الكلمة من معنى، وإمكانات مالية وملاعب تدريبية ولاعبين محترفين جيدين ومستوى عال وأنديتنا تعرف كيف تتعامل مع الاحتراف جيداً، عندها نحن بحاجة لمدرب أجنبي يكون على مستوى عال.. حالياً الوضع غير مناسب إلا للمدرب المحلي لقربه وتفهمه للوضع.
أفكارنا مختلفة
أما المدرب السلوي هيثم جميل فأكد أن المشكلة تكمن في صيغة التعاون ما بين المدرب واللاعب، فالمدرب الأجنبي له شخصيته وأسلوبه إذا كان صاحب إمكانيات فنية جيدة، أما المدرب المحلي فهو أقرب اجتماعياً من المدرب الأجنبي. وهناك مشكلة أخرى واجهت اللعبة خلال السنوات العشر الماضية، رغم تعاقب ثلاثة مدربين أجانب على قيادة المنتخب، وتتمثل بأننا نحضر المدرب الأجنبي ونريده أن يسير حسب قدراتنا وإمكانياتنا وقناعاتنا وأسلوبنا، وهذا الأمر يجعل الأجنبي لا ينجح، علماً أن المدرب الأجنبي حضر من مدرسته وبيئته وأفكاره التي يسعى لتطبيقها وتطويرها عندنا، وليس حسب أفكارنا نحن، فلو كان مستوانا عالياً لكان سينجح الأجنبي ولحققنا نتائج لافتة. أما في حال كانت سمعة الأجنبي جيدة وسيرته الذاتية قوية وأعطي الصلاحيات بالعمل، وتقبل اللاعبون أسلوبه، فعندها يمكن أن ينجح.. ولأن لاعبينا وأسلوب عملنا لم يتوافق مع المدرب الأجنبي، لم تتحقق النتائج معه في سلتنا.
الحلقة الأضعف
أما المدرب الوطني السلوي جورج شكر فرأى أن المدرب المحلي – ومن خلال تجربة شخصية – هو الحلقة الأضعف في معادلة اللاعب والمدرب والحكم وحتى الإداري، خاصة بعد السنوات العشر الماضية التي تراجعت فيها الثقافة الرياضية، وغابت عنها شريحة واسعة من المهتمين والإداريين وحتى الجماهير التي تعشق كرة السلة.
وأشار شكر إلى أن المدرب المحلي دائماً هو شماعة الخسارة، أو حتى مزاجية بعض النجوم والإدارات الضعيفة – ما عدا بعض الاستثناءات – دون النظر لظروف عمله الصعبة لجهة عدم توفر الصالات وحتى الكرات النظامية، وغالباً هو لا يحصل على المقابل المادي المناسب حتى من المتغنين بالاحتراف وميزاته.
وأما بالنسبة للمدرب الأجنبي، فقال شكر: في الحقيقة هو مطلوب لسلتنا ليشكل إضافة لمدربينا ولاعبينا، فهو إحدى الوسائل لإدخال الجديد إلى سلتنا ليس بالتدريب فقط وإنما بإقامة الدورات التدريبية للمدربين، والمساعدة بوضع استراتيجية على الأقل متوسطة المدى، وهنا نحن نتحدث عن مدرب خبير ومشهود له بالعمل الميداني. ولكن من الصعوبة بمكان أن تحصل على مدرب عالي المستوى يقبل العمل بمنطقتنا بغض النظر عن المقابل المادي، لذلك علينا الحصول على مدرب جيد يقدم الفائدة لمنتخبنا الأول ولنخبة مدربينا، وهم بدورهم ينقلوها لأنديتهم.. وهكذا!