الانتخابات الأمريكية لن تغيّر شيئاً
سمر سامي السمارة
على الرغم من الاهتمام الكبير، والتعليقات الإعلامية المكثفة التي حظيت بها الانتخابات الأمريكية في مختلف أنحاء العالم، ما جعل المرء يتوقع أنه ستترتب على نتائجها آثار هائلة، إلا أن الواقع الدنيوي يظهر أنه لن تكون هناك تغييرات ملموسة لعلاقات الولايات المتحدة مع بقية دول العالم، إذ ستواصل الولايات المتحدة تقديم نفسها كدولة فوق القانون الدولي، كما ستواصل التدخل في شؤون الدول الأخرى، واستعمال القوة أحادية الجانب، وممارسة العنف والحرب لفرض هيمنتها.
في الحقيقة، يظهر واقع الحال أن كل الرؤساء الذين مروا على البيت الأبيض خلال القرن الماضي شاركوا في كل هذه الممارسات، لذا فمن غير المتوقع أن نشهد أي اختلاف على نحو أفضل، أو أي تغيير جذري عند تغيير الرئيس، خاصة مع وجود إدارة تستمد املاءاتها من الشركات الكبرى نفسها.
سيدخل المرشّح الديمقراطي جو بايدن البيت الأبيض بعد فوزه على ترامب، ومع ذلك، فمن غير المهم من فاز بالبيت الأبيض ليكون الرئيس 46 في 20 كانون الثاني، فقد أظهرت السنوات الأربع الماضية لتولي ترامب الرئاسة بكل وضوح تلاشي أية آمال بتحسين العلاقات الأمريكية الروسية، إذ إنه لم يبق مجرد رهينة لمؤسسة واشنطن من خلال إعادة إشعال فتيل الأحكام المسبقة للحرب الباردة المعادية لروسيا فحسب، بل أضفى أيضاً لمسته الشخصية على العلاقات الثنائية المتدهورة بسياسات مثل تقويض مفاوضات الحد من الأسلحة، ومهاجمة تجارة الطاقة الروسية مع أوروبا عبر خط أنابيب نورد ستريم.
من جانبه، عبّر بايدن عن عدائه الشديد لروسيا أكثر مما فعل ترامب، وهذا يعني أن هذا العداء الشديد لروسيا ليس مرتبطاً بمن يدخل البيت الأبيض من جديد، بل هو في صميم السياسة الخارجية للولايات المتحدة، الأمر الذي يظهر إلى أي مدى أصبحت السياسات الداخلية الأمريكية مستقطبة ومنقسمة، ويرجع ذلك إلى الفشل التاريخي لنظام الحزبين الذي أبقى- على مدى عقود- قطاعات واسعة من السكان، لاسيما الطبقة العاملة ذات الأغلبية، معزولة عن الطبقة السياسية، كما أن هناك عدم ثقة وتشويهاً لا يمكن إصلاحهما بين الأمريكيين، لدرجة أنه يبدو من المستحيل لأي فائز في الانتخابات أن يكون قادراً على الاضطلاع بقيادة واضحة، إحدى الآليات المجربة الموثوق بها، والتي تهدف للتعبئة، هي “توحيد” الأمريكيين من خلال حشدهم ضد بعض الأجانب الذين يتم تصنيفهم بالأعداء، ونظراً لطبيعة المجتمع الأمريكي، المثقل والمنقسم بشكل متزايد، تحتم على الطبقة الحاكمة الأمريكية أن تفرض مستوى معيناً من التماسك من أجل استعادة بسط السلطة الأساسية للقوى الحاكمة، ومع هذه الحاجة القصوى لتعزيز الشعور بالسلطة، يمكن التوقع أن تصبح سياسة الولايات المتحدة الخارجية أكثر عدوانية وعسكرية في السنوات الأربع المقبلة، لذا فإن أية فكرة حول إمكانية أن تسمح الانتخابات الرئاسية بإعادة ضبط العلاقات الأمريكية العالمية هي في غير موضعها.
كان واضحاً منذ عدة سنوات، إن لم يكن منذ عقود، أن سفينة الحكومة الأمريكية كانت على مسار متسارع من الاصطدام والصراع، لذا فإن تغيير رئيس صوري لن يغير المسار المشؤوم الذي تحدده مصالح قوى الشركات الكبرى، مثل وول ستريت، والمجمع الصناعي العسكري للبنتاغون في السعي لتحقيق أرباح الرأسمالية الأمريكية، لذلك، ينبغي على بقية دول العالم ألا تدع حذرها من سوء سلوك واشنطن يصيبها بالذهول بسبب الطموحات الأمريكية الفاشلة، فقد تغير العالم بشكل كبير عن الأيام الخوالي للولايات المتحدة كقوة عظمى هائلة، إذ ظهرت مراكز قوة جديدة في عالم متعدد الأقطاب، لاسيما التي تجسدت في التحول النموذجي في الاقتصاد العالمي للصين وأوراسيا، خاصة أن روسيا والصين تعملان بشكل مطرد على ترسيخ شراكتهما الاقتصادية الاستراتيجية، ولابد أن تستمران في مسار التنمية المشتركة مع الدول الأخرى، وترك واشنطن تتقلقل في إخفاقاتها، لذلك، ينبغي على بقية دول العالم التوقف عن إيلاء الكثير من الاهتمام للمشهد الأمريكي، لأنه أشبه بمشاهدة “برنامج لتلفزيون الواقع” له تأثير ضئيل باستثناء استنفاد طاقة المشاهد، ومن الأفضل النزول عن الأريكة والمضي قدماً في بناء عالم حقيقي بديل.