دراساتصحيفة البعث

الولايات المتحدة هي المتنمّرة أياً كان الرئيس

ترجمة: هناء شروف

عن الأوبزرفر

أخبرنا الأمريكيون في الأشهر الأخيرة من فترة حكم ترامب أنه مريض وفاشي، وأنه محاكاة ساخرة بشعة لرئيس أمريكي مناسب لا يملك مقومات الرئيس الحقيقي. ولكن في الحقيقة هو لا يختلف كثيراً عن باقي الرؤساء الأمريكيين الذين عانى منهم شعبهم وباقي العالم خلال نصف القرن الماضي. يقول الأمريكيون إن  الرؤساء السابقين للولايات المتحدة الأمريكية كانوا أفضل من ترامب. تضامناً، قد يغري المرء أن يقول نعم بالتأكيد، نحن أيضاً نقول إنهم أفضل من ترامب. ولكن يتعيّن على المرء أن يضيف أنه على الرغم من أن هؤلاء الرؤساء ربما كان لديهم أسلوب خطابي أفضل من ترامب، ربما يرتدون بدلات مناسبة بشكل أفضل من ترامب، ربما كانوا يتمتّعون بحركات رقص أفضل، ولكنهم جميعاً متنمّرون من الطراز العالمي!.

لطالما انتخبت الولايات المتحدة متنمراً لمنصب الرئيس، وتطلب منه أن يذهب إلى العالم ويفعل ما يفعله الرؤساء، وفي الوقت نفسه يتوقعون أن يكون رئيسهم لطيفاً وطيباً في وطنهم ويواصل الحديث عن الحلم الأمريكي والرعاية الصحية المعقولة التكلفة للجميع. أما في الخارج فينشر رؤساء الولايات المتحدة الخراب، ويجتاحون ويدمّرون البلاد التي لم يتمكنوا من نطق أسمائها، ويستقبلون الطغاة القتلة من جميع أنحاء العالم في كامب ديفيد.

كلّ ما فعله ترامب هو أنه نقل  كلّ هذا التنمر إلى أمريكا. لنستذكر على سبيل المثال ما فعله نيكسون الذي طُرد من منصبه بعد ووترغيت، لكن خلال فترة رئاسته راقب المذبحة التي تعرّض لها الشعب البنغلاديشي، وظل يعد بالتدخل ولكن في النهاية وقف متفرجاً على إبادة الشعب في بنغلاديش. أما جيمي كارتر ، الذي بدا كرجل لطيف وربما متنمّر متردّد، ربما سمع المرء لأول مرة بمصطلح “حقوق الإنسان” خلال فترة رئاسته، ففي باكستان شنق رئيس وزراء منتخب، ذو الفقار علي بوتو خلال فترة رئاسته. في المقابل، منح كارتر الجنرال ضياء الحق ملايين الدولارات على هيئة مساعدات لاستمالته، وهو ما رفضه الأخير لأن المبلغ كان قليلاً واصفاً إياه بالفول السوداني.. النكتة هي أن كارتر كان مزارع فول سوداني.

ثم جاء بعد ذلك الحكيم رونالد ريغان الذي بدأ في صرف أموال جادة لإظهار تخيلات رعاة البقر في جميع أنحاء العالم. أطلق على نفسه لقب “زعيم العالم الحر”، ولجعل العالم أكثر حرية، قام بتمويل ديكتاتوريين. كما بدأ ريغان تمويل المجاهدين في أفغانستان، ولا يزال الجيل الثالث من الأطفال الأمريكيين الفقراء يقاتلون ويتفاوضون في البلد نفسه، وينشأ جيل رابع من الأفغان في مخيمات اللاجئين، وتتساءل النساء عما إذا كان سيكون لديهن بلد للعيش فيه عندما تنجح الولايات المتحدة أخيراً في محادثات السلام.

أضاء جورج بوش الأب سماء بغداد بالألعاب النارية، ودمّر بلداً بكامله. ألم نحب بيل كلينتون؟ ألم يكن نقيضاً لترامب، رقيقاً، ساحراً، وهو نوع الشخص الذي يمكنك تناول الجعة معه؟ عندما واجه كلينتون مساءلة بشأن علاقاته مع مونيكا لوينسكي، أطلق بعض صواريخ كروز على أفغانستان والسودان كي يصرف نظر الرأي العام حول فضيحته.

لابد أن الأمريكيين أحبوا جورج دبليو بوش لأنهم انتخبوه مرتين، كان يعتقد أن التحريض على الحرب مع أفغانستان أمر مطلوب من رئيس الولايات المتحدة القيام به، لكنه أدرك بعد ذلك أن أسلافه لم يتركوا الكثير لتدميره. ألقى الضوء على العراق بحثاً عن مناطق غنيّة بالأهداف، وصنع ذريعة للحرب، وأقام سجوناً في غوانتنامو وأبو غريب، ثم أعلن النصر بعد أن قتل ملايين المدنيين. حتى رؤساء الولايات المتحدة المعتدلون كانوا قتلة جماعيين على المسرح العالمي، لأن هذا ما تستلزمه الإدارة الأمريكية.

كان باراك أوباما أحد أكثر الرؤساء المحبوبين في الآونة الأخيرة، ترك عمليات القتل للخوارزميات والطائرات من دون طيار، بينما تركت سياسته الخارجية ليبيا في حالة من الإبادة. بحلول نهاية فترة ولايته كانت الولايات المتحدة تلقي ما يعادل ثلاث قنابل في الساعة كل يوم، ورغم ذلك في عام 2009 حصل على جائزة نوبل للسلام لحسن نواياه.

الأمريكيون هم أكبر فناني الترفيه في العالم، ولكن يبدو أنهم يشعرون بالملل بسهولة وفي براءتهم الأسطورية يذهبون حول العالم ويدمّرون الأماكن من أجل إنقاذها. رؤساء الولايات المتحدة مثل المدير الذي يذهب إلى العمل لإرهاب موظفيه، ولكنه يعود إلى بيته لنشر أشعة الشمس والحب!!.