ثقافةصحيفة البعث

في ذكرى رحيله.. مصطفى العقاد: هوليوود بحلم عربي

واحد من أهم المنتجين والمخرجين العرب الذين أبدعوا في مجال سينما هوليوود، وهو صاحب فيلمين من أشهر الأفلام العالمية: “عمر المختار” و”الرسالة”.. فهمَ الفنَّ والسينما كرسالة ثقافية وكانتماء أصيل لتراث مجتمعه، وكان حلمه نقل التجربة الأميركية مثل يونيفيرسل أستوديو في هوليوود إلى العالم العربي من خلال بناء مدينة سينمائية أو مجمّع سينمائي للإنتاج على مستوى الإنتاج العالمي بروح عربية، وكان يحضّر قبل رحيله لفيلمين سينمائيين لتقديمهما بجودة أعماله السابقة، أولهما يتحدث عن فتح الأندلس، والآخر يتحدث عن القائد صلاح الدين الأيوبي.

الرسالة

عندما سُئل عن فيلم “الرسالة” الذي يتحدّث عن نشأة الإسلام من خلال السيرة النبوية الشريفة ذكر في مقابلة أجريت معه عام 1976: “أنجزتُ الفيلم لأنه كان موضوعاً شخصياً بالنسبة لي، وشعرت بواجبي أن أقوم بذكر الحقيقة.. وقد لمستُ حاجة أن أخبر العالم الحقيقة ليكون الفيلم جسراً للتواصل بين الشرق والغرب لإظهار الصورة الحقيقية عن الإسلام”، مشيراً إلى أن الفيلم كان موجهاً للأطفال وللأجانب الذين لا يملكون فكرة عن الإسلام، وكان العقاد قد بيَّن أن تصوير الفيلم كان من أشقّ وأصعب فترات حياته لأن رسالة الفيلم حسّاسة، لذلك كان الحصول على التمويل صعباً، وقد صوّر الفيلم بنسختين، واحدة أجنبية بطولة ايرين باباس وأنطوني كوين، وأخرى عربية من بطولة الفنانين حمدي وعبدالله غيث ومنى واصف ومحمد العربي وسناء جميل، وشارك في كتابة سيناريو هذه النسخة كبار الكتّاب: توفيق الحكيم، عبد الحميد جودة السحار، عبد الرحمن الشرقاوي، محمد علي ماهر، وتمّ إنتاجه عام 1976 وتُرجِم إلى أكثر من 12 لغة، وبلغت تكلفة إنتاج الفيلم للنسختين العربية والأجنبية نحو 10 ملايين دولار أميركي، وحقّقت النسخة الأجنبية أرباحاً تُقدَّر بأكثر من 10 أضعاف هذا المبلغ، وحاز على جائزة الأوسكار كأفضل موسيقى عام 1978 وكان العقاد يعتبر “الرسالة” بداية لسلسلة من الأفلام التي ينوي إنجازها لإبراز الحضارة الإسلامية عبر معطياتها الفكرية والحضارية، ومن ضمنها أفلام عن عمر بن الخطاب وعلي بن أبي طالب وصلاح الدين الأيوبي وفترة ازدهار الأندلس، وهذان المشروعان كان العقاد يقوم بالتحضير لهما.

أسد الصحراء

ولأنه كان يردّد دوماً: “الشيء الوحيد الذي يمكننا أن نفتخر به اليوم نحن العرب هو تاريخنا” اتجه العقاد نحو الأفلام التاريخية التي لا تخدم نظاماً معيناً إنما قضايا حضارية لها إسقاطات معاصرة، ففي فيلمه “أسد الصحراء” تحدّث العقاد عن عمر المختار الذي حارب الاستعمار الإيطالي لليبيا في أوائل القرن العشرين، وكانت القضية الفلسطينية بارزة فيه، فكان الحوار فيه مركزاً على أساس القضية الفلسطينية والتمسّك بالأراضي والعودة إليها، وأُنتج عام 1981 وقام بدور البطولة الممثل أنطوني كوين، إلى جانب ممثلين عالميين وعرب.

مخرج أفلام الرعب

كان العقاد معروفاً بـ”مخرج أفلام التاريخ والرعب”، إذ جمع في مسيرته الإخراجية بين نوعين مختلفين تماماً من الأعمال السينمائية، ورغم قلّتها إلا أنها شكّلت علامة مميزة في عالم السينما، وقد أنتج العديد من الأفلام الأجنبية لتصل حصيلتها إلى 13 فيلماً بينها 3 من إخراجه، وكان المنتج المنفذ العالمي الوحيد الذي شارك في جميع سلسلة أفلام الرعب الأمريكية “هالوين” التي بدأ العمل بها بعد تخرّجه، فكان مساعداً للمخرج العالمي ألفرد هيتشكوك ونال خبرة كبيرة ساعدته فيما بعد على إعداد مجموعة أفلام الهالوين بعد أن علم أن الشعب الأميركي يحب متابعة أفلام الرعب ويستمتع بمشاهدتها، مؤكداً أنه قدّم هذه السلسلة للحصول على المال الذي يحتاجه لتقديم مشاريعه التي كان يحلم بإعدادها والتي تتحدث عن قضايا أمته، وكان العقاد لا يعتبر نفسه مناضلاً نذر نفسه لوطنه، ولكنه كأي عربي كان يشعر بقضايا بلده، وضمن نطاق عمله سعى لخدمة قضايا العرب، لذلك كان يؤكد على ضرورة أن يكون هناك أكثر من عقاد واحد: “إن ما قدّمتُه ليس معجزة ولا مستحيلاً، فأي مخرج عربي لو تواجد في أميركا فترة ودرس فيها لأمكنه أن يفعل الشيء نفسه، وبحكم تواجدي هنا واحتكاكي بالصناعة السينمائية أصبحتُ جزءاً منها وأساهم فيها وتساهم في نجاحي، وجذوري العربية أبعثها من خلال الأفلام التي أنتجتُها”.

لم يمهل القدرُ العقاد أن يحقّق حلمه ورسالته الأساسية في أن يحارب الإرهاب من خلال أعماله الفنية، إذ رحل في مدينة عمّان متأثراً بجراحه التي أُصيب بها في التفجيرات التي تبناها ما يسمّى “تنظيم القاعدة في بلاد الرافدين”، وذلك بعد إعلانه في مؤتمر صحفي عقده في الكويت أنه يفكر جدياً في إنتاج فيلم يحكي حياة زعيم تنظيم القاعدة أسامة بن لادن.

من حلب  إلى أميركا

ولِدَ مصطفى العقاد في حلب ثم غادرها إلى الولايات المتحدة الأميركية لدراسة الإخراج والإنتاج السينمائي في جامعة كاليفورنيا في لوس أنجلوس، وكان والده في البداية رافضاً دخوله إلى مجال الإخراج، لكنه في النهاية شجّعه لتحقيق حلمه، فحطَّ رحاله في كاليفورنيا حيث درس في جامعتها وتفوّق وقام بإعداد فيلم عن قصر الحمراء نال الجائزة الأولى، بعد التخرج لم يعد إلى سورية بل أكمل حياته في أميركا وكان المخرج العربي الوحيد الذي اخترق جدار هوليوود.

أمينة عباس